تعريف التصوف

تعريف التصوف

“اصل كلمة تصوف “

إشتقاق كلمة تصوف :-
تعتبر مشكلة الأصل الذى أخذت منه كلمة “تصوف”هى أولى المشكلات التى تثار فى دراسة التصوف الإسلامى ,وهى مشكلة قديمة لذلك نجدها فى جميع كتب الصوفية .
وهذه المشكلة من المشكلات التى وقع فيها الخلاف بين الباحثين ,فبينما نرى اتجاها يرى لفظه “التصوف “لفظة جامدة ,وليس لها اشتقاق ,ولا قياس فى اللغة,نرى اتجاها مناقضا لهذا الاتجاه يذهب إلى أن كلمة “التصوف “كلمة مشتقة ,وإليك تفصيل وبيان لهذين الاتجاهين .
على النحو التالى :-

الاتجاه الأول:إن كلمة “تصوف” كلمة مشتقة:-
يرى أصحاب هذا الاتجاه أن كلمة “تصوف” ليست جامد ,وإنما هى مشتقة ,ولكن اختلف هؤلاء فى الأصل الذى أخذت منه هذه الكلمة على النحو التالى :-
الرأى الأول : يرى أصحاب هذا الرأى أن كلمة تصوف مشتقة ,من صفة مسجد الرسول “صلى الله عليه وسلم “.

يقول أبو عبد الرحمن السلمى: ” اعلم أن التصوف مأخوذ من أهل الصُفَة الذين ترتلوا على حكم رسول الله “صلى الله عليه وسلم “وكانوا أضياف المسلمين “.
( بيان أحوال الصوفية .لأبى عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمى ,ص 365تحقيق د/ سليمان ابراهيم آتش الناشر للطباعة).
والصُفَة: مكان فى مؤخرة مسجد المدينة ,أُعِدَ لطائفة من الصحابة بلغ عددهم أربعمائة من فقراء الصحابة ,سموا بأهل الصُفة ,لاأهل لهم ولا مساكن تأويهم.(التصوف الإسلامى والأخلاق. د/السيد عبد الغفار ,ص 13 , دار الطباعة المحمدية ,1992 .)
وقد قال الله تعالى فيهم :{ لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ}. ( سورة البقرة – آية 273).

الإتجاه الثانى :
يرى أصحاب هذا الرأي أن كلمة ” تصوف “مأخوذة من اسم ” صوفه “.
يقول السراج الطوسى:” إنه قيل قد خلت مكة فى وقت من الأوقات ,حتى كان لا يطوف بالبيت أحد ,وكان يجئ من بلد بعيد رجل صوفى ,فيطوف بالبيت وينصرف ,فإن صح ذلك ,فإنه يدل على أنه قبل الإسلام كان يعرف هذا الاسم وكان ينسب إليه أهل الفضل والصلاح .”(اللمع .السراج الطوسى ص 27,34.)
ويذكرابن الجوزى أن أم تميم بن مر ,كانت قد ولدت بنات ,فقالت لله علىّ إن ولدت غلاماً ذكر لأعبدته للبيت الحرام ,فولدت “الغوث بن مر” ,فلما ربطته عند البيت أصابه الحر ,فمرت به ,وقد سقط واسترخى ,فقالت :ما صار ابنى إلا صوفة ,وكان الحج وإجازة الناس من عرفه إلى منى ,ومن منى إلى مكة لصوفة ,فلم تزل الإجازة فى عقب صوفه حتى أخذتها عدوان , حتى أخذتها قريش. (تلبيس ابليس لابن الجوزى ص 179).
فأصحاب هذا الرأى أن التصوف مشتق من الصوف الذى علق برأس الغوث ,ومن هنا نسبت الصوفية إليه لمشابهتهم إليه فى الانقطاع إلى الله تعالى .(نشأة الفكر الفلسفى فى الإسلام د/على سامى النشار3/41,40).

الإتجاه الثالث:
يرى أصحاب هذا الرأى أن التصوف مشتق من كلمة يونانية قديمة وهى كلمة “سوفيا”.
يقول أبو الريحان البيرونى :”أن قدماء اليونانيين منهم من كان يرى الوجودالحقيقى للعلة الأولى فقط لاستغنائها بذاتها فيه وحاجة غيرها إليها وأن ماهو مفتقر فى الوجود إلى غيره ,فوجوده كالخيال غير حق ,والحق هو الواحد الأول فقط ,وذا هو رأى السوفية وهم الحكماء ,فإن “سوف ” باليونانية الحكمة وبها سمى الفليسوف “بيلاسوفا”أى محب الحكمة ,ولما ذهب فى الإسلام قوم إلى قريب من رأيهم سموا بأسمهم ,ولم يعرف اللقب بعضهم ,فنسبهم للتوكل إلى “الصفة “وأنهم أصحابها فى عصر النبى “صلى الله عليه وسلم “ثم صحف بعد ذلك فصيرمن صوف التيوس. (تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة فى العقل أو مرزولة للبيرونى ص 27 عالم الكتب بيروت 1403هـ 1983 م).

الإتجاه الرابع :
يرى أصحاب هذا الرأى أن كلمة “تصوف ” تنسب إلى الصف الأول ,كأنهم بقلوبهم من حيث المحاضرة من الله تعالى فى الصف الأول .
يقول الكلاباذى :”قال قوم :إنما سموا صوفية لأنهم فى الصف الأول بين يدى الله عز وجل بارتفاع هممهم إليه ,وإقبالهم عليه ,ووقوفهم بسرائهم بين يديه “(التعريف لمذهب أهل التصوف لأبى بكر الكلاباذى ص 29,28).
ولذلك يقول الإمام الجنيد:”الطريق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول – صلى الله عليه وسلم- وأتبع سنته ,ولزم طريقته “.
وقال : “من لم يحفظ القرآن ,ولم يكتب الحديث لا يقتدى به فى الأمر ,لأن علمنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة “.(المنقذ من الضلال للإمام الغزالى ص 16).
ويقول أبوحفص الحداد :”من لم يزن أفعاله وأقواله فى كل وقت بالكتاب والسنه ولم يتهم خواطره فلا تعده فى ديوان الرجال “.(الرسالة القشيرية للإمام القشيرى ).

 

الرأى الخامس :
يرى أصحاب هذا الرأى أن التصوف مشتق من “الصفاء”.
يقول الكلاباذي :”قالت طائفة إنما سميت الصوفية صوفية لصفاء أسرارها ,ونقاء أثارها وقال بشر بن الحارث :الصوفى من صفا قلبه لله .
وقال بعضهم :الصوفى من صفت لله معاملته ,فصفت له من الله عز وجل كرامته “.(التعريف لمذهب أهل التصوف للكلاباذى ص28)
ويقول ابن زروق :”إن التصوف من الصفاء وصحح هذا القول حتى قال أبو الفتح البستى رحمه الله.
قال أبو الفتوح البستى :
تنازع الناس فى التصوف واختلفوا وظنه البعض مشـــتقا من الصوف
ولست أمنح هذا الاســـم غير فتى صافى فصوفى حتى سمى الصوفى.
(قواعد التصوف أبو العباس أحمد زروق ص 6,5)
فالصوفى دائما رجل لايحمل حقدا على أحد ,بل يقابل السيئة بالحسنة ,لانشراح صدره ,ورضاه بما يجريه الله تعالى عليه, ويقدره له , وهو مع الله تعالى فى صفاء ,لا يشوبه شئ ,كما أنه بما أطلعه الله تعالى من العلوم والمعارف قد صفى من كدر الجهل .
قال أنس بن مالك رضي الله عنه :قال لى رسول الله “صلى الله عليه وسلم “:”يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسى وليس فى قلبك غش لأحد فافعل ” ثم قال : “يا بني , وذلك من سنتي ومن أحيا سنتي فقد أحياني ,ومن أحياني كان معي في الجنة ” .
يقول السهروردي تعليقا على هذا الحديث :”هذا أتم شرف ,وأكمل فضل أخبر به الرسول – صلى الله عليه وسلم –فى حق من أحيا سنته ,فالصوفيه هم الذين أحيوا هذه السنة, وطهارة الصدور من الغل والغش ,وبذلك طهر جوهرهم وبان فضلهم,لأن مثار الغل والغش هو محبة الدنيا ومحبة الرفعة والمنزلة عند الناس ,والصوفية زهدوا فى ذلك كله ” .(عوارف العارف للسهروردى 1/192) .

الرأى السادس :
يرى أصحاب هذا الرأى أن التصوف نسبة إلى الصوف , ولهذا ذهب الكثير من المتخصصين فى الدراسات الصوفيه قديما وحديثا.
يقول التعريف أبو حفص عمر السهروردىأن التصوف مأخوذ من الصوف ويعلل ذلك بما يلى :-

(أ)- إن الصوف كان لباس الأنبياء عليهم السلام ,فعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم – يجيب دعوة العبد ويركب الحمار,ويلبس الصوف .
وروى عن رسول الله أنه قال :” مر بالصخرة من الروحاء سبعون نبيا ,حفاة , عليهم العباء يؤمون البيت الحرام ,وقيل : إن عيسى عليه السلام كان يلبس الصوف والشعر ,ويأكل من الشجر ,ويبيت حيث يمسى “. (عوارف العارف للسهروردى 1/109).

(ب)- إن لبس الصوف كان شعار الأولياء والأصفياء من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم , ولذلك قال الحسن البصرى – رضى الله عنه – :”لقد أدركت سبعين بدرياً كان لباسهم الصوف” ووصفهم أبو هريرة , وفضالة بن عبيد فقالا : “كانوا يخرون من الجوع حتى يحسبهم الأعراب مجانين , وكان لباسهم الصوف حتى أن بعضهم كان يعرق فى ثوبه ,فيوجد منه رائحة الضأن إذا أصابه الغيث ,وقال بعضهم إنى ليؤذينى ريح هؤلاء أما يؤذيك ريحهم !! يخاطب الرسول – صلى الله عليه وسلم – بذلك ” (عوارف العارف للسهروردى 1/210).

(ج )- إن لبس الصوف يعبر تعبيرا واضحا عن الزهد والقناعة والسعى إلى التقرب من الله تعالى الخالق .
يقول السهروردى : “كان اختيارهم للبس لتركهم الدنيا ,وقناعتهم بسد الجوعة ,وستر العورة ,واستغراقهم فى أمر الأخرة “. (عوارف المعارف للسهروردى 1/211).
ويقول أيضا:”إن نسبتهم إلى اللبسة تنبئ عن تقللهم من الدنيا وزهدهم فيما تدعو النفس إليه بالهوى من الملبوس الناعم ، حتى أن المبتدئ المريد الذى يؤثر طريقتهم ويحب الدخول فى أمرهم يوطن نفسه على التقشف والتقلل ويعلم أن المأكول أيضا من جنس الملبوس فيدخل فى طريقهم على بصيرة , وهذا أمر مفهوم معلوم عند المبتدئ , والإشارة إلى شئ من حالهم وتسميتهم بذلك أبعد من فهم أرباب البدايات فكان تسميتهم بهذا أولى , وأيضا غير هذا المعنى مما يقال إنهم سموا صوفية لذلك يتضمن دعوى وإذا قيل :سموا صوفية للبسهم الصوف يكون أبعد من الدعوى ,وكل ما كان أبعد من الدعوى كان أليق بحالهم “.(عوارف المعارف للسهروردى 1/211,210).

(د)- إن الصوفية لم ينفردوا بنوع من العلم مثل الفقهاء الذين انفردوا بالفقه ,أو المتكلمون الذين تخصصوا فى علم الكلام , لأنهم معدن لجميع العلوم ، ومحل لجميع الأحوال المحمودة والأخلاق الشريفة .

(هـ)- إن اشتقاق “التصوف” من “الصوف” يتناسب مع قواعد اللغة ,فى النسب والاشتقاق لأنه يقال “تصوف”إذا لبس الصوف , كما يقول “تقمص إذا لبس القميص ” .
فنسبهم الله تعالى إلى ذلك ,ولم ينسبهم إلى نوع العلوم والأعمال والأحوال التى كانوا متصفين بها فكذلك حال الصوفية .(راجع اللمع للطوسى ص 41).
وإذا كان التصوف مشتقا من الصوف فليس معنى ذلك أن الإعراض عن لبسه يكون بُعْداعن الله ,وانغماسا فى حب الدنيا ,”فقد ذكر ابن عبد ربه أن القاسم بن محمد كان يلبس الخز ,وسالم بن عبد الله كان يلبس الصوف ومقعدها واحد فى مسجد المدينة فلا ينكر بعضهما على بعض شيئا ,وذلك أن التزين فى وقار ,والتطيب فى قصد ,والتأنق فى غيرإسراف ,أمور ترفع من قدر المرء فى ظل دينه وخلقه ومروءته وقد أُثِرَت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أحاديث عديدة فى هذا السبيل , وفى حديث للرسول – صلى الله عليه وسلم – قال :”إياكم والشعث حتى لو لم يجد أحدكم إلا زيتونة فليعصرها وليدهن بها “.
إذن لم يكن لبس الصوف بمانع من اللباس الناعم لمن أراد ,ولكن القوم استحسنوا أن يجعلوه علامة للتقشف ,ورمزا للزهد ,وهم قد قصدوا الصوف الخشن قصدا , فإن بين الألبسة الصوفية ,وبخاصة فى زماننا هذا ,ما هو أثمن من الحرير لبهائه وجماله .
والخلاصة : إن قضية اشتقاق كلمة “تصوف “من الصوف لاتمثل أهمية كبرى لدى الصوفية ,لأن الغاية من التصوف عندهم هى صفاء القلب لله تعالى ,ولذلك يقول السهروردى:”الصوفى هو الذى الغاية من التصوف عندهم لايزال يصفى الأوقات عن شوب الأكدار بتصفية القلب من شوائب النفس ,ويعينه على هذه التصفية دوام افتقاره إلى مولاه ,فبدوام الافتقار من الكدر ,وكلما تحركت النفس وظهرت بصفة من أدركها ببصيرته النافذة وفر منها إلى ربه .

ويقول د/عبد الحليم محمود :”على أننى أرى كما يرى كثير غيرى وكما يثبت التاريخ أن هذه الكلمة”تصوف “لم توضع فى الأصل للتصوف بمعناه العادى ,الذى نفهمه الآن ,وإنما وضعت فى المبدأ لتدل على نمط من العزوف عن الدنيا ,وأنها كانت علامة الزاهدين والمتنسكين ,فسمي بها هؤلاء الذين انصرفوا عن الدنيا .
إن العزوف عن الدنيا :عادة قديمة جدا ً ,يتمسك بها بعض الناس تمشياً مع فكرة دينية وإرضاء لشعور تنسكى .
الاتجاه الثانى فى اشتقاق كلمة “التصوف “:-
إن كلمة “تصوف “كلمة جامدة .
يرى كل من الإمام القشيرى والإمام الهجويرى أن كلمة التصوف كلمة جامد وليست مشتقة بل هى كاللقب الذى أطلق على هذا النوع من النشاط دون مراعاة أى مبدأ اشتقاقى.
يقول الهجويرى :”الصوفى اسم يطلقونه على كاملى الولاية ومحققى الأولياء “.
ويقول أحد المشايخ رحمهم الله :”من صافاه الحبيب فهو صوفى .
واشتقاق هذا الاسم لايصح على مقتضى اللغة من أى معنى ,لأن هذا الاسم أعظم من أن يكون له جنس ليشتق منه ,ولايشتق الشئ من ضده ,وهذا المعنى أظهر من الشمس عند أهله ,ولا يحتاج إلى العبارة ,لأن الصوفى ممنوع عن العبارة والإشارة ,وحين يكون الصوفى ممنوعا عن كل العبارات ,فإن العالم كلهم معبرون عنه ,عرفوا أولم يعرفوا ,وأى خطر يكون للاسم فى حال حصول المعنى “. (كشف المحجوب للهجويرى 1/230)
وفى باب التصوف من الرسالة يقول الأمام القشيرى عن أصل كلمة “تصوف “:-
“هذه التسمية غلبت على هذه الطائفة فيقال رجل صوفى ,واللجماعة صوفية ,ومن يتوصل إلى ذلك يقال له متصوف ,وللجماعة المتصوفة ,وليس يشهد لهذا الاسم من حيث العربية قياس ولا اشتقاق والأظهر أنه كاللقب “.(الرسالة القشيرية ص216,2117)
والخلاصة : إن أصحاب هذا الاتجاه يرون أن كلمة تصوف جامدة , لأننا لو قلنا :إنها مشتقة من الصفاء أو الصفة أو الصف ,فإن اللغة لاتساعد على ذلك ,ولو قلنا : إنها مشتقة من الصوف فغير صحيح ,لأن لبس الصوف ليس خاصا بهؤلاء القوم وحدهم ودون غيرهم ,بل إن بعض شيوخهم كان يوصى بعدم ارتدائه ,حتى لا يكون ذلك سبيلا إلى الشهرة بين الناس ومدعاة للفخر.
ولهذا قال بشر بن الحارث لجماعة يلبسون الصوف والمرقعات :”اتقوا الله ,ولاتظهروا الزى فإنكم تعرفون به وتكرمون له ” كما حكى عن يحى بن معاذ الرازى أنه كان يلبس الصوف فى ابتداء أمره,ثم كان فى أخرعمره يلبس الخز واللين .(راجع اللمع للطوسى ص 196)

 

“تعـــــــريف التصـــــــــوف”-1

تمهيد:-
لقد اختلفت الآراء وتعددت الاتجاهات , وتباينت تباينا كبيرا فى تعريف التصوف,فإذا أراد الباحث أن يضع تعريفا جامعا مانعا للتصوف وجد أمامه عددا كبيرا من التعريفات التى ذكرها الصوفية أنفسهم حتى أن هذه التعريفات اكثر من ألفين تعريفا
يقول أبو العباس زروق : ” وقد حد التصوف ورسم وفسر بوجوده تبليغ نحو الألفين ,مرجع كلها لصدق التوجه إلى الله تعالى ,وإنما هى وجوه فيه ” (قواعد التصوف لأبى العباس أحمد محمد زروق ص3).
ويقول السهرورى:”وأقوال المشايخ فى ماهيه التصوف تزيد على ألف قول ويطول نقلها “.
وذكر الطوسى أن إبراهيم بن المولد الرقى أتى بأكثر من مائة جواب حينما سئل عن تعريف .(اللمع للطوسى ص 47)

والسبب فى ذلك:هو أن التصوف أحوال وأذواق ومقامات ومواجيد تتفاوت فيما بينها بتفاوت أحوال ومقامات أصحابها , فكل سالك فى الطريق إلى الله تعالى له حال أو أحوال وله ذوق ومشارب بلمعه تتجدد سيره .
وهمته فى السير , وما يكشف له من معالم الطريق فى سيره , فإذا أراد أن يعبر عن مشاهده وحاله عبر بما يمليه عليه حاله فى وقته ,فإذا جاوزه تغيرت المشاهد والمعالم ,ولابد أن يتغير التعبير , ومن هنا يمكن فهم ما يرى فى علوم القوم وكلماتهم من اختلاف فى التعبير .(التصوف فى الإسلام منابعه وأطواره .محمدالصادق عرجون ص 10 دار القارئ العربى 1993م).

 

أولا ً:التعريفات التى ترتبط التصوف بالأخلاق :-

• يقول أبومحمد االجريرى عن التصوف أنه :”الدخول فى كل خلق سنى,والخروج عن كل خلق دنى “.(عوارف المعارف للسهروردى 1/203م).
• قال محمد بن علي القصاب :” التصوف أخلاق كريمة , ظهرت فى زمان كريم من رجل كريم ,مع قوم كرام ” . (التصوف فى الإسلام د/محمد قمر الدولة ص 34).

• يقول أبو الحسين النورى :”ليس التصوف رسماً ولا علما ,لأنه لو كان رسما ً لحصل بالمجاهدة ,ولو كان عِلماً لحصل بالتعليم ولكنه تخلق بأخلاق الله ,ولن تستطيع أن تُقْبِل على الأخلاق الإلهية بعلم أو رسم .”. (تذكرة الأولياء . فريد الدين العطار نقلا عن مقدمة د/عبد الحليم محمود لكتاب المنقذ من الضلال ص38).

• تعريف الكتانى :” التصوف خُلُقٌ فمن زاد عليك فى الخلق ,فقد زاد عليك فى الصفاء “(الرسالة القشيرية ص 217).

• يقول مظفر القرميسينى :”التصوف الأخلاق المرضية”.(كشف المحجوب للهجويرى 1/238).

وهكذا نرى مدى اهتمام الصوفية بالجانب الأخلاقى الذى يعنى التحلى بالأخلاق الحميدة ,والتخلى عن جميع الصفات المذمومة ,تصديقا ً لقوله الله تعالى : {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا 10}(سورة الشمس آية9-10).
يقول السعد التفتازانى : “إنه قد اجتمع فيه – صلى الله عليه وسلم – من الحمدة , والأوصاف الشريفة ,والسير الرضية ,والكمالات العلمية والعملية إلى النفس البدن والنسب والوطن مايجزم العقل بأنه لا يجتمع إلالنبى .”(شرح المقاصد لسعد الدين التفتازانى 5/39 تحقيق د/عبد الرحمن عميرة).

 

“التعريفات التى تربط التصوف بالزهد وبالشريعة” -2

ثانيا :التعريفات التى تربط التصوف بالزهد :-
لقد ذكر الصوفية تعريفات كثيرة تؤكد على أن التصوف الإسلامى هو الزهد
ومن هذه التعريفات ما يلى :-
1 – قال رويم البغدادى:” التصوف مبنى على ثلاث خصال : التمسك بالفقر والافتقار والتحقق بالبذل والإيثار ,وترك التعرض والاختيار”(الرسالة القشيرية ص217).
2 – يقول معروف الكرخى :”علامة الصوف هو الأخذ بالحقائق ,واليأس عما فى أيدى الخلائق “.
ولذلك قال بعضهم :إن الفقير الصادق ليحترز من الغنى حذرا أن يدخل عليه الغنى فيفسد عليه فقره ,كما ان الغنى يحترزمن الفقر حذرا أن يدخل عليه الفقر فيفسد عليه غناه .(عوارف العارف للسهروردى 1/202).
3 – يقول الجنيد:”الصوفى :الذى يملِك ولا يُملَك “.

ثالثا : التعريفات التى تربط التصوف بالتمسك بالشريعة :-
إن بيان هذه التعريفات التى تربط التصوف بالتمسك بالشريعة توضح لنا أن الصوفية قد أسسوا أقوالهم وأفعالهم على ما جاء فى القرآن الكريم وسنة سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم .
ومن هذه التعريفات مايلى :-
1 –التصوف ذكر مع اجتماع ,ووجد مع استماع ،وعمل مع اتباع .(الرسالة القشيرية ص 218 ) .
2 –التصوف أوله علم ,وأوسطه عمل ,وآخره موهبة من الله تعالى .(عوارف المعارف للسهروردى 1/206).
3 –ويقول سهل بن عبد الله التسترى معبراعن أصول التصوف:”أصول طريقتنا سبعة: التمسك بالكتاب ,والاقتداء بالسنة ,وأكل الحلال وكف الأذى ,وتجنب المعاصى ولزوم التوبة ,وأداء الحقوق ” (قضية التصوف المنقذ من الضلال د/عبد الحليم محمود ص 130).
4 –يقول سعد الدين التفتازانى :”التصوف فى لسان القوم عبارة عن التخلق بالأخلاق النبوية ,والتمسك بقوائم الشريعة المطهرة فى العلمية والعملية “.(الرد على أباطيل كتاب الفصوص .سعد الدين التفتاذانى ص95)
5 –يقول الجنيد:”من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدى به فى هذا الأمرلأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة ” .(الرسالة القشيرية ص 216 ).
يقول التفتازانى : “حكى عن أهل الإباحة والإلحاد أن الولى إذا بلغ الغاية فى المحبة وصفاء القلب ,وكمال الإخلاص ,سقط عنه الأمر والنهى ,ولم يضره الذنب ,ولا يدخل النار بارتكاب الكبيرة ,والكل فاسد بإجماع المسلمين “.( شرح المقاصد لسعد الدين التفتازانى 5/77).
والحق ما ذهب إليه السعد التفتازانى لأن زعماء التصوف الذين لا يختلف فى زعامتهم اثنان سواء كانوا من القدماء أم من المحدثين نجدهم يرفضون فكرة إسقاط التكاليف الشرعيه ,بل إنهم يرونها زيفا وضلالا وأنسلاخا عن الدين وخروجا عن حظيرة الإسلام بالكلية .(شرح المقاصد لسعد الدين التفتازانى 5/78).
ومن كلام أبى يزيد البسطامى:”لو نظرت إلى رجل أعطى من الكرامات حتى يرقى فى الهواء فلا تغتروا به ,حتى يرقى فى الهواء فلا تغتروا به ,حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهى ,وحفظ الحدود وأداء الشريعة”(المقدمة فى التصوف لأبى عبد الرحمن السلمى ص 361,360 تحقيق وتعليق د/سليمان ابراهيم آتش الطبعة الأولى الناشر للطباعة والنشر والتوزيع 1414هـ -1993).

 

“التعريف الذى يربط التصوف بالصفاء “-3

رابعا :التعريفات التى تربط التصوف بالصفاء:-
ذكر الصوفية تعريفات متعددة تربط التصوف بالصفاء ,ومن هذه التعريفات مايلى :-
1 – قال أبوعلى الروذبادى عندما سئل عن الصوفى :”هو من لبس الصوف على الصفاء ,ومن أطعم الهوى ذوق الجفاء ,وكانت الدنيا منه على القفا ,وسلك منهاج المصطفى “.(المدرسة الشاذلية د/عبد الحليم محمود ص 429)
2 – ويقول سهل بن عبد الله التسترى :”الصوفى من صفا من الكدر ,وأمتلأ من الفكر ,وانقطع إلى الله من البشر ,واستوى عنده الذهب والمدر “(عوارف المارف للسهروردى 1/207).
فالصوفى دائما صافى النفس لا تكدر ه الدنيا بكل شهواتها وبكل متاعها ,سواء فى إقبالها عله أفى إدبارها عنه ,وذلك لانه دائما مشغول شئ عن ذلك ,فقد استوى عنده كل شئ واستوى عنده الذهب بالتراب والتبر بالتبن .
3 – سئل الجنيد عن التصوف فقال :”تصفية القلب عن موافقة البرية ,ومفارقة الأخلاق الطبيعية ,وإخماد الصفات البشرية ,ومجانية الدواعى النفسانية ,ومنازلة الصفات الروحانية والتعلق بالعلوم الحقيقية,واستعمال ما هو أولى على الابدية ,والنصح لجميع الأمة ,والوفاء لله على الحقيقة وإتباع الرسول – صلى الله عليه وسلم – فى الشريعة “.
(التعريف لمذهب اهل التصوف للكلاباذى ص 34 ,وراجع عوارف المعارف للسهوردي 1/207)
فالتصوف له خصائص ومميزات كثيرة يمتاز بها عن غيره من العلوم منها :-
1 – التزام الشرع فى كل كبيرة وصغيرة ,وذلك هوالأساس القويم لكل ما عداه.
2 – التخلق بمكارم الأخلاق من عدل وصفح وعفو وأمانه وتواضع وحب فى الله.
3 – الزهد والتنزه عن عبادة المادة .
4 – التحرر من رق الشهوات والترفع عن سفاسف الأمور .
6 – الاستغناء بالله عما سواه والاعتماد عليه وحده ,ونتيجة ذلك وثمرته اصطفاه الحق تبارك وتعالى لمن تحقق بهذه الخصائص .(جميل التعريف إلى مكارم الاخلاق وصحيح التصوف د/طه عبدالسلام خضير ص 145)

 

إترك تعليق

البريد الالكتروني الخاص بك لن يتم نشرة . حقل مطلوب *

*