ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة مقالة 2

ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة مقالة 2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه الطيبين الطاهرين، أما بعد:
وقفنا عند قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يبعث لهذه الأمة من يجدد لها دينها على رأس كل مائة سنة).
ويكون هذا التجديد من خواص هذه الأمة المحمدية، لكون نبيهالا نبي بعده ولا رسول (صلوات الله وسلامه عليه وعلى جمع الأنبياء والمرسلين) وقد بلغنا أنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وانقطع الوحي بموته، شكت الأرض إلى ربها أنه لا يمشي عليها بعده نبي؛ فجعل في هذه الأمة الأوتاد والأبدال، وأمثالهم من أولياء الله وأهل معرفته الذين هم ورثة الأنبياء وخلفاؤهم، حتى إنه قد ورد: أن منهم من قلبه على مثل قلب إبراهيم الخليل عليه السلام وغيره من أنبياء الله وملائكته عليهم السلام، على وفق ما ورد في الأخبار والآثار الواردة في هذا الباب.
وفي الحديث: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)، وفيه (ليجدن ابن مريم قوما من أمتي هم مثل حوارييه) الخبر.
وفي كلام أمير المؤمنين علي رضي الله عنه. اللهم لا تخلو الأرض من قائم لك بحجة، إما ظاهر مشهور، أو خامل مقهور، إلى آخر ما روي عنه.
فدل ما ذكرناه وما لم نذكره مما في معناه على أنه: لا يزال في هذه الأمة من يدعوا إلى الله وإلى سبيله، وإقامة دينه وحفظ أمره في كل زمان ومكان. وإن فسد الزمان وغلب الباطل، وتظاهر أهل البغي والعدوان، فإن الدينَ مؤيَّدٌ بتأييد الله، وظاهرٌ بإظهار الله، كما قال عز من قائل: { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }.

ثم إنه لا عذر للجاهل في ترك طلب ما فرض الله عليه من العلم؛ كما قال صلوات الله وسلامه عليه: (طلب العلم فريضة على كل مسلم)، ولا عذر لعالم في ترك تعليم ما علمه الله من العلم المفروض تعلمه، إما على العين وإما على الكفاية.
والعلم الذي في ذكره ونشره النفع للخاص والعام: هو العلم الذي يدعو من الدنيا إلى الآخرة، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الغفلة إلى اليقظة. ويكون ذكر ذلك وإيراده مقرون بالوعظ والتذكير، والتخويف والتحذير، وبيان الوعد والوعيد، وما أعد الله من أنواع المثوبات لأهل الطاعات والإحسان، ومن أنواع العقوبات لأهل الإساءة والعصيان، على نحو ما شرحه الله وبينه في آيات القرآن، وعلى لسان رسوله المبعوث بالهدى و البيان؛ فبمثل ذلك ترق القلوب وتخشع، وتنقاد النفوس وتخضع؛ قال الله تعالى:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }، وفي حديث حنظلة رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: نكون عندك فتُذَكِّرَنا بالجنة والنار، حتى كأنا نراها رأي عين ما يُنَبِّه على ذلك.
فترى كتاب الله وسنة رسوله مشحونين بذكر الترغيب والترهيب، والتبشير والتحذير في خلال الآيات والأحاديث التي فيها، وشرح الأحكام وبيانها.
وكانت مجالس العلماء العاملين والأئمة المهتدين معمورة بذلك، وكان منهم جماعة يقعدون على الكراسي ويجتمع عليهم الجم الغفير من المسلمين، فيعظونهم ويذكرونهم بأيام الله وبآلائه، ويحثونهم على إقامة أوامره واجتناب نواهيه. وكان الناس ينتفعون بذلك، وتظهر عليهم الآثار المحمودة من الخوف والبكاء، والمسارعة إلى التوبة والرجوع إلى الله، و ذلك معروف ومشهور من سيرهم سلفا وخلفا؛ مثل: الجنيد بن محمد (1) سيد الطائفة في زمنه، وأبي جمرة البغدادي، ويحيى بن معاذ الرازي (2) -من المتقدمين -.
__________
(1) – المتوفى ببغداد سنة 297ه-.
(2) – المتوفى بنيسابور سنة 258ه-.

ومثل: الإمام الغزالي، والشيخ محيي الدين عبد القادر الجيلاني (1)، والشيخ السهروردي(2) صاحب العوارف (من المتأخرين) وأمثال هؤلاء من أئمة الدين ودعاة الخير وأدلاء الطريق، إلى ضعف هذا الأمر، وقلت الدعوة إلى الله؛ فغلبت الغفلة على العامة، واستولى عليهم الإعراض عن الآخرة، والإقبال على الدنيا وزخارفها؛ لقلة المذكرين، والدعاة إلى الله على البصيرة واليقين، حتى صارت مجالس المنسوبين إلى العلم والدين في مثل مجالس الغافلين المعرضين المشغولين بحديث الدنيا وذكر أحوال أهلها؛ فلذلك عم البلاء، واستطال الداء، وخرست ألسن المذكرين بالله، وغلب الجهل والغفلة على عامة الناس، حتى توهم من ليس له علم بأحوال من مضى من أهل الحق والهدى: أن الشأن على مثل ذلك كان، وهيهات هيهات لِلَّهِ ولا مرد لما قد ذهب وفات لِلَّهِ ذهب العلم بذهاب أهله وذهاب الطالبين له والراغبين فيه، وفي الحديث الصحيح: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض أهله؛
__________
(1) – المتوفى ببغداد سنة 561ه-.
(2) – المتوفى سنة 632ه-. ببغداد. ويكنى أبا حفص.

حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا، إذا سئلوا أفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) (1).
فانظر كيف صار نطق هؤلاء الجهال المترسمين أضر على الناس من سكوتهم! تعرف به فرقا بين علماء الدين الذين هم ورثة الأنبياء وأئمة الهدى، وبين الجهال المتشبهين بهم والمترسمين برسومهم في رأي العين وظواهر الأحوال هؤلاء ينفعون الناس بعلمهم، ويهدون الناس بهديهم، ويبينون للناس سبيل ربهم وما فيه فوزهم ونجاتهم في معادهم ومماشهم. والآخرون يضلون الناس بفتواهم، ويلبسون عليهم أمرهم.
وسيأتي فيما بعد مزيد شرح في أحوال الجهال المترسمين المتشبهين بالعلماء في ظواهر أحوالهم مع إفلاسهم عن حقائق العلم والتقوى، وإخفاقهم من بضائع الدين والهدى من طوائف المغرورين الذين غرتهم الحياة الدنيا، وغلي عليهم اتباع الهوى المشار إليه بقوله عز من قائل: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً }
__________
(1) – رواه أصحاب السنن عن ابن عمر.

وقد ظهرت البدع والمحدثات، وفشت المنكرات، واستولت الغفلة والإعراض عن الله وعن الدار الآخرة على الخاص والعام؛ فلم يبق عذر لأهل الحق والدين من أهل العلم واليقين في السكوت عن بيان الحق والهدى، والدعاء إلى الله وإلى سبيله بالأقوال والأفعال، والسعي بكل مستطاع وممكن في إماتة البدع والمحدثات وإزالة المنكرات؛ وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إذا ظهرت الفتن (أو قال البدع) وسُبَّ أصحابي فلْيُظْهِرِ العالمُ علمَهُ؛ فمن لم يفعلْ ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً) (1).
وقد تعرض لبعض أهل العلم أوهام فتمنعه وتصدُّه عن الدعوة إلى الحق والنشر للعلم.
منها: أن يقول إني غير عامل بعلمي، فكيف أعلمه وأدعو إليه للهِ، وقد ورد من الوعيد في ذلك ما لا يزيد عليه؛ فيقال له: التعليم للعلم من جملة العمل به، والذي يُعَلِّمُ ولا يعمل بعلمه خير بكثير من الذي لا يَعمَل ولا يُعَلِّم، وإذا لم تقدر على الخير كلِّه فلا تعجز عن القيام ببعضه،
__________
(1) – الصرف التوبة والعدل الفدية وقيل غير ذلك.

وعليك أن تعلم، وعليك أن تجتهد وتعزم على العمل بما تعلم. ولا شك أن الوعيد الوارد في حق من يعلم الناس ولا يعمل بما يعلم هو ألزم وأجدر بالذي لا يعلم ولا يعلم؛ لأن الأول فرض الله عليه فريضتين فقام بأحدهما وقصر عن الأخرى، والثاني ترك الفريضتين جميعا فهو بالوعيد أولى وبالعقوبة أحرى.
ومنها: أن يقول في نفسه: إن الدعاء إلى الله والإرشاد لعباد الله تعالى مرتبة رفيعة، ومنزلة شريفة، هي من شأن أئمة الهدى والدين ووظيفتهم، وأنا لست كذلك ولا من أهله للهِ فيحمله استصغاره لنفسه، واحتقاره لها، وتواضعه وانخفاضه على السكوت عن الدعاء إلى الله والقيام بوظيفة الإرشاد، ويتوهَّم أن ذلك من التواضع المحمود ومعرفة الإنسان بقدر نفسه ووقوفه عند حدِّه للهِ وهذا من التوهمات الفاسدة لِلَّهِ لأن الحق لا يمنع عن الحق، والخير لا يصرف عن الخير؛ فعليه أن يجتهد ويشمر في الدعاء إلى الهدى، والدلالة على الخير مع التواضع والخضوع، والاستشعار للخشية والخشوع، والاعتراف بالتقصير واحتقار النفس؛ وذلك هو الكمال، والجمع لأوصاف الرجال الذين لا تصدُّهم وساوس الشيطان ولا تصرفهم تخيلاته وتلبيساته، وترويجه للشرِّ في معرض الخير.
ومنها – أعني تلك الأوهام-: أن يُشْغِلَ العالمُ نفسَه وأوقاتِه بمواصلة الأوراد، وتتابع الوظائف من العبادات: من تلاوة وذكر ونحو ذلك. ويرى أن ذلك أفضل له وأولى من الدعاء إلى الله وسبيله، ونشر العلم النافع في الدين.
والحق أن الدعوة إلى الله، والنشر للعلم النافع مع الإخلاص لله فيه، أفضل من العبادات اللازمة من نوافل الصلوات والأذكار؛ لما في العلم من تعدي النفع واحتياج الخاص والعام والصغير والكبير إليه، وفي الحديث (فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أصحابي) (1).
وفي حديث آخر: (فضل العلم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب)(2).
ومع ذلك فلا ينبغي للعالم الداعي إلى الله أن يهجر الأوراد ويقصر عن وظائف العبادات؛ بل ينبغي له أن يجعل لها أوقاتاً تخصُّها،
__________
(1) – رواه الترمذي عن أبي إمامة.
(2) – رواه أبو نعيم في الحلية عن معاذ.

ويحسن التفرغ للعبادات فيها خصوصا بالليل وأوقات النهار التي لا ينشط فيها لنشر العلم، أو لا يحضر فيها الطالبون المستفيدون، وقد قال الإمام مالك رحمه الله: اطلبوا هذا العلم طلبا لا يضر بالعبادة، واطلبوا هذه العبادة، طلبا لا يضر بالعلم. وقد كان الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يقسم الليل أثلاثاً: ثلثاً للصلاة، وثلثاً لدراسة العلم، وثلثاً للنوم، وقد ذكر حجة الإسلام رحمه الله تعالى في كتاب ترتيب الأوراد في الإحياء كيفية في ترتيب أوقات للعالم وتوزيعا تخصه؛ فليتمسك العالم بما ذكره هنالك، وليعمل عليه. والله يتولى هداه.
وهذه التوَّهمات التي ذكرناها وما في معناها مما لم نذكره قد يقع لبعض العلماء العاملين الموصوفين بتقوى الله وخشيته.
وأما التوهمات والحسبانات التي تقع للعلماء المترسمين، الذين لم يتحققوا بتقوى الله وخشيته، لم يحرصوا على العمل بعلمهم فأمور كثيرة، كلها ترجع إلى أحوال أهل الغفلة والتخليط، فتصدهم عن الدعوة إلى سبيل الله، وعن نشر العلم ابتغاء وجه الله؛ مثل الإشتغال بأحوال دنياهم، وأمور معاشهم، ومداهنة أهل الباطل من وجوه أهل الدنيا ومراعاتهم، ومثل التسويف وتزْجِيَة الأوقات من حين إلى حين(1)، ومثل الإبقاء منهم على ستر أحوالهم وتقصيرهم فيتوهمون أنهم إذا دعوا إلى الله وإلى الدار الآخرة وهم على خلاف ذلك تبين للناس نقصهم وسوء أفعالهم وقبيح سيرهم؛ فيسقطون بسبب ذلك من أعين الناس، وتنحط منازلهم عندهم، فلا يبقى لهم جاه ولا مقدار عند الخلق، وهم أحرص شيء على إقامة جاههم ومنزلتهم في قلوب الناس؛ لشدة رغبتهم في الرياسة التي هي من أقوى لذات الدنيا وأغلب الشهوات على النفوس المتبعة للهوى.
ومن العلماء المترسمين من تكون العلوم التي هو مشتغل بها محصل لها ليست هي من علوم الدعوة إلى الله وإلى سبيله، والتذكير به وبأيامه وآلائه، وبوعده ووعيده وصاحبها يعد نفسه عالما، ويعده كذلك من هو في مثل حاله من الجهال، وذلك مثل الذي يكون علمه في دقائق علم الكلام والتقعر فيه، ومجرد الفروع النادرة الوقوع من الفقه، والفتاوى الكائنة
__________
(1) – تزجية الأوقات: دفعها من وقت إلى آخر وإضاعتها.

بهذه المثابة، ومثل الذي يكون علمه بمجرد علوم الآلات اللغوية والأدوات الأدبية.
فهذه العلوم وأمثالها ليست هي من علوم الدعوة إلى الله وإلى طريقه، ولا المخوفة بلقائه ووعده ووعيده، ولا المحذرة من إضاعة أمره وركوب نهيه، وإن كانت تعد من العلوم في الجملة؛ ولكنها ليست من العلوم النافعة للخاص والعام، ولا التي تدعو إليها حاجة الناس في دينهم وأمر آخرتهم، وقد قيل: العلوم كثيرة وما كلها بنافعة، والعلوم بمنزلة الأطعمة والأدوية يكون بعضها نافعا ومهما في حق كل أحد، وبعضها للبعض دون البعض، وبعضها مضرا للبعض أو للكل، وفي ذلك تفصيل يطول ذكره.
فكل من يكون علمه مجرد هذه العلوم التي ليست بنافعة ومهمة في الدين، كان إطلاق اسم العالم عليه صورة لا حقيقة لها وربما كان علمه ذلك سببا لوقوعه في سخط ربه، وهلاك نفسه، وذهاب آخرته. فينبغي أن يضيف العالم بها إليها العلم بالعلوم الدينية الأخروية، التي تقارنها المخافة والخشية لله، ويكثر فيها ذكر الوعد والوعيد، والتزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة، ونحو ذلك.
فهذه هي العلوم التي قال فيها سفيان الثوري(1) رحمه الله: طلبنا العلم لغير الله فأبى العلم أن يكون إلا لله. وكما قال الإمام حجة الإسلام رحمه الله في معنى ذلك.
وكما أنه قد تعرض للعالم التقي وللعالم المخلط أوهام وظنون، فتثبطه وتعوقه عن الدعوة إلى الله والدلالة على الخير، والنشر للعلم، فقد يقع للجاهل أوهام فتصده وتصرفه عن طلب العلم والتبصر في الدين؛ مثل أن يتوهم أنه إن طلب العلم وعرفه توجهت عليه حقوق لله ولعباده، ولزمه القيام بأوامر الله فيه، واجتناب نواه ومعاص، فهو يحسب بجهله أنه إن لم يعرف العلم ويطلبه سلم من تلك المطالبات وخلص.وهذا ظن فاسد وعذر بارد، حتى أنك ترى بعض الجهال قد يمتننع عن حضور مجالس أهل الحق والدعوة إلى الله، ويعدل عنها مخافة أن يسمع مايلزمه العمل به من طاعة الله، والإجتناب لما حرم الله من معصيته، أومن الزهد في الدنيا وشهواتها التي قد استولت عليه وأخذت بمخنقه أومن الوعد والوعيد بثواب الله وعقابه، ويحسب أنه ينجو من ذلك
__________
(1) – سيد أهل زمانه في علوم الدين، وأمير المؤمنين في الحديث. ولد ونشأ بالكوفة، وتوفي بالبصرة سنة 161ه-.

ويسلم من المطالبة بما هناك بسبب جهله وعدوله عن الحق وأهله، وهيهات هيهات لله فإن الله لا يعذره بجهله، ولا يزيده بذلك إلا بُعداً وعذاباً، و خزياً ونكالاً.
وقد شغل الجاهل عن طلب الحق ومعرفة الدين طلب الدنيا، واستغراق الأوقات في الإشتغال بها، والإغترار بزخارفها، والجمع لحطامها، حتى لايبقى له وقت، ولا يصفو له زمن لطلب الحق والدين.
فيكون حظه الدنيا، والشغل بجمعها ومنعها، والتمتع بشهواتها ولذاتها، فلا يكون له في الدنيا والآخرة من خلاق ولا نصيب، وهو يتوهم لعظم جهله وفرط غفلته أن طلب الدنيا أهم في حقه وأوجب عليه وأولى به من طلب معرفة الدين، والتبصر فيه، والعلم بأوامر الله ونواهيه.
وفي أمثال هؤلاء يقول الله تعالى: { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ }، وقال تعالى: { وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون}.

إترك تعليق

البريد الالكتروني الخاص بك لن يتم نشرة . حقل مطلوب *

*