التوحيد في الإسلام عند أهل السنة ومنهج السادة الأشاعرة والماتريدية
التوحيد في الإسلام |
التَّوحِيد، وهو لُغةً جعلُ الشيءِ واحدًا غيرَ متعدِّد؛
وفي اصطلاح المُسلمين، هو الإيمان بأنَّ الله عزوجل واحدٌ في ذاته وصفاته وأفعاله، لا شريكَ له في مُلكه وتدبيره، وأنّه وحدَه المستحقّ للعبادة فلا تُصرَف لغيره.
ويُعتبر التَّوحيد عند المسلمين محور العقيدة الإسلاميّة، بل محور الدِّين كلّه،[1] حيثُ ورد في القرآن الكريم : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ،[2] والتَّوحيد يشكِّل نصف الشهادتين التي ينطق بها مَن أرادالدخول في الإسلام، كما يُعتَبر الأساس الذي يُبنى عليه باقي المعتقدات الإسلاميّة.
ويتضمّن التَّوحيد في الإسلام نفي وجود أيّ آلهة أُخرى مع الله، ونفي الشَّبه بين الله وبين خلقه، فالله في الإسلام واحدٌ أحدٌ فردٌ صمدٌ، لا شريك ولا نِدَّ له، منفردٌ في التصرّف في مُلكه، لا يُسأل عمّا يفعل، لا يخرج عن مشيئته وإرادته شيء، بل هو الفعّال لما يريد، لا رادّ لأمره، ما شاءه كان، وما لم يشأه لم يكن. ليس بجسمٍ، ولا يشبه الأجسام، ليس كمثله شيء ولا هو مثل شيء، ليس محدودٌ بزمان ولا مكان، بل الزمان والمكان من خَلقه وتدبيره.[3]
*** عناصر البحث:
.2 منهج المدرسة الأشعرية والماتريدية
*** التوحيد عند أهل السنة
علم التوحيد هو أشرف العلوم على الإطلاق، لأنه يتعلق بمعرفة الله عز وجل، وما يجب له من الصفات وما يستحيل عليه وما يجوز في حقه سبحانه وتعالى، وما يتبع ذلك من أمورالنبوة والآخرة والأصول، فإن شرف العلم بشرف المعلوم، لذلك هو أشرف العلوم وأفضلها. فالتوحيد هو أصل الدين، قال الله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (سورة محمد: 19) في الآية تقديم التوحيد على الاستغفار لأن التوحيد هو الأصل، والاستغفار عمل صالح فلا يقبل من غير توحيد كما لا يكون فرع من غير أصل. وقال تعالى: وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (سورة النساء: 124) وقال تعالى: وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (سورة الفتح: 13) فلا يصح الإيمان بالله عزوجل إن لم يقترن به الإيمان برسوله محمد مع التصديق بكل ما جاء به وأخبر به. وقال : “أفضل الأعمال إيمان بالله ورسوله” رواه البخاري. أي أن الإيمان هو أفضل الأعمال الصالحة من صلاة وصيام وزكاة وغير ذلك.
ومن أهمية التوحيد أن من مات عليه لابد أن يدخل الجنة، فإن كان مؤمناً طائعاً لله أدخله الله الجنة بفضله من غير سابق عذاب، وإن كان مؤمناً فاسقاً إن شاء الله أدخله الجنة وإن شاء عذبه، ثم يدخل الجنة بعد مدة عقابه في النار، قال : “يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه ذرة من إيمان” رواه البخاري،
أما من مات على الكفر فهو خالدٌ في نار جهنم ليس له شفيع ولا نصير. والآيات والأحاديث التي تدل على فضل التوحيد كثيرة.[4]
** المدرسة الأشعرية والماتريدية: ذهب أهل السنة إلى أن حقيقة الوحدانية هي عبارة عن نفي التعدد في الذات والصفات والأفعال، فهو سبحانه لا شبيه له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، والتوحيد هو إفراد المعبود بالعبادة مع اعتقاد وحدته ذاتاً وصفات وأفعالاً.[10]
ويعتبر الأشاعرة أن صفة الوحدانية لله تنفي عنه الكثرة في ثلاثة أشياء:
فوحدانية الذات تنفي أمرين:
ووحدانية الصفات تنفي أمرين:
ووحدانية الأفعال تنفي أن يكون غيره تعالى كفعله؛ لأن الله لا شريك له في أفعاله بل هو المنفرد بالإيجاد والإعدام، والمخلوقات ليس لها تأثير إلا قيام الفعل بها نتيجة لاكتسابها له، فيجب أن نعتقد أن الأفعال كلها – صغيرها وكبيرها لله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (سورة الصافات: 96)، وقال : (إن الله يصنع كل صانع وصنعته). وتجمع جملة التوحيد (لا إله إلا الله) كل هذه المعاني.[11]
** موقف السادة الأشاعرة والماتريدية من تقسيم التوحيد إلى توحيد ألوهية وربوبية وأسماء وصفات:
كتاب (السهم السديد في ضلالة تقسيم التوحيد) للشيخ الدكتور جميل حليم الحسيني في الرد على مسألة تقسيم التوحيد بالأدلة القرآنية والحديثية ونصوص علماء المذاهب الأربعة.
يرى أهل السنة من الأشاعرة والماتريدية أن تقسيم التوحيد إلى توحيد ربوبية وتوحيد ألوهية وأسماء وصفات بدعة من البدع المذمومة في العقيدة، وذلك للأسباب التالية:[11][12]
ذهب ابن تيمية إلى تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أنواع:
ويرفض كل من الأشاعرة والماتريدية هذا التقسيم ويرون أنه غير معقول وغير منقول عن أحد من السلف، فإن الإله الحق هو الرب الحق، والإله الباطل هو الرب الباطل، ولا يستحق العبادة والتأليه إلا من كان رباً، ولا معنى لأن نعبد من لا نعتقد فيه أنه رب ينفع ويضر، فهذا مرتب على ذلك. والله تعالى هو الرب، والرب هو الإله، فهما متلازمان يقع كل منهما موقع الآخر في الكتاب والسنة وكلام علماء الإسلام،
وقد أومأ القرآن الكريم والسنة المستفيضة إلى تلازم توحيد الربوبية والألوهية: يقول تعالى: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (سورة النمل: 25). فسؤال الملكين للميت عن ربه لا عن إلهه؛ لأنهما لا يفرقان بين الرب والإله، وكان – ينبغي على مذهب هؤلاء – أن يقولا للميت: من إلهك؟ لا: من ربك؟! أو يسألاه عن هذا وذاك. وعلى ذلك فقصر توحيد الربوبية على الخالقية خطأ واشتباه وذلك؛ لأن معنى (الربوبية) ليس هو الخالقية فقط، كما توهم هذا الفريق بل هو يفيد تدبير العالم، وتصريف شؤونه، ولم يكن هذا موضع اتفاق بين جميع المشركين والوثنيين في عهد الرسالة، كما ادعى هذا الفريق.
ولقد كان الكفار في عهد النبي منهم الدهريون المنكرون للبعث، ومنهم الملحدون، والمشركون (الذي يشركون مع الله في التدبير بعض خلقه من أوثانهم)، وأهل الكتاب (المعددون للآلهة)، ومع ذلك فابن تيمية وأتباعه يظهرون الكفار وكأنهم فرقة واحدة.[11]
وأوجه بطلان تقسيم التوحيد كثيرة تحدث عنها باستفاضة:
أسماء الله الحسنى هو الله الذى لا إله إلا هو
الله الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدئ المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالي البر التواب المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذوالجلال والأكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور.
*** الشرك المنافي للتوحيد:
يُعتبر الشرك بالله أعظم الذنوب[؟] والمعاصي التي يمكن للإنسان إرتكابها، ورد في القرآن: « إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا»،[21] والشرك بالله نوعان؛ أصغَر وأكبر، حيثُ أن الشرك الأكبر يُخرج الإنسان من دين الإسلام، وهو أن يجعل لله ندًّا أو يعتقد بألوهية غير الله، ويعبد غيره من شمس وقمر وبشر. أمّا الأصغر، فهو ما دون ذلك كمخافة غير الله، ورجاء غيره، فهذا لا يُعتبر مُخرجًا من الدِّين.
المصادر
3 إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، ج1، ص89-91، دار المعرفة، بيروت.
4- الشيخ عبد المجيد بن طه الدهيبي الزعبي (2009). إتحاف الأكابر في سيرة ومناقب الإمام محيي الدين عبد القادر الجيلاني الحسني الحسيني(الطبعة الأولى). دار الكتب العلمية. صفحة 38-39.
5- مجمل أصول أهل السنة والجماعة في العقيدة (1412 هـ). د. ناصر بن عبد الكريم العقل. دار الصفوة: القاهرة: بتصرف
6 – وقد نبه أهل العلم على أن كل أعمال القلوب من شروط لا إله إلا الله، وإنما بنه الشيخ حكمي على أصولها
7- الشيخ الدكتور أحمد محمود كريمة (يناير 2012م). السلفية بين الأصيل والدخيل (الطبعة الأولى). دار الكتاب الصوفي. صفحة 68.
8- الشيخ الدكتور أحمد محمود كريمة (يناير 2012م). السلفية بين الأصيل والدخيل (الطبعة الأولى). دار الكتاب الصوفي. صفحة 68-71.
9- “ما قول أهل السنة والجماعة فيمن عدد التوحيد وقسمه إلى ثلاث أقسام ألوهية وربوبية وصفات؟”. موقع المجلس الإسلامي الأعلى في أستراليا.