* سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب -رضي الله عنه-
حمزة بن عبد المطلب |
|
أبو عمارة، أبو يعلى، أسد الله وأسد رسوله، سيد الشهداء، سيدنا حمزة | |
الولادة | 54 ق.هـ / 568م مكة، تهامة، شبه الجزيرة العربية |
الوفاة | النصف من شوال، 3هـ / 625م قرب جبل أحد، الحجاز، شبه الجزيرة العربية |
مبجل في | الإسلام |
المقام الرئيسي | قرب جبل أحد، شمال المدينة المنورة |
النسب | أبوه: عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي إخوته: الحارث، والزبير، وحجل، وضرار، والمقوم، وأبو لهب، والعباس، وأبو طالب، وعبد الله، وصفية، وأم حكيم، وعاتكة، وأروى، وغيرهم زوجاته: بنت الملة بن مالك، وخولة بنت قيس،وسلمى بنت عميس ذريته: يعلى بن حمزة، وعامر بن حمزة، وعمارة بن حمزة، وأمامة بنت حمزة |
حمزة بن عبد المطلب الهاشمي القرشي صحابي من صحابة سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، وعمُّه وأخوه من الرضاعة وأحد وزرائه الأربعة عشر، وهو خير أعمامه لقوله: «خَيْرُ إِخْوَتِي عَلِيٌّ، وَخَيْرُ أَعْمَامِي حَمْزَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا».[1][2] وهو أسنُّ من الرسولِ صلى الله عليه وسلم بسنتين، كما أنه قريبٌ له من جهة أمه، فأمه هي هالة بنت وهيب بن عبد مناف، ابنة عم آمنة بنت وهب بن عبد مناف أمِّ النبي صلى الله عليه وسلم.
لُقِّب بسيد الشهداء، وأسد الله وأسد رسوله، ويكنى أبا عمارة، وقيل أبو يعلى. كان حمزة في الجاهلية فتىً شجاعاً كريماً سمحاً، وكان أشدَّ فتى في قريش وأعزَّهم شكيمة، فقد شهد في الجاهلية حرب الفجار التي دارت بين قبيلتي كنانة وقيس عيلان.
أسلم حمزة في السنة الثانية من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فلمَّا أسلم علمت قريش أن الرسولَ صلى الله عليه وسلم قد عز وامتنع وأن حمزة سيمنعه، فكفّوا عن بعض ما كانوا ينالون منه. ثم هاجر حمزة إلى المدينة المنورة، فآخى الرسولُ بينه وبين زيد بن حارثة. وكان أولُ لواء عقده الرسولُ صلى الله عليه وسلم هو اللواءَ الذي عقده لحمزة، وشهد حمزةُ غزوة بدر، وقَتَلَ فيها شيبة بن ربيعة مبارزةً، وقتل غيرَه كثيراً من المشركين، كما شهد غزوة أحد، فقُتل بها سنة 3هـ، وكان قد قَتَلَ من المشركين قبل أن يُقتل واحداً وثلاثين نفساً، وكان الذي قتله هو وحشي بن حرب الحبشي غلامُ جبير بن مطعم، ومثَّل به المشركون، وبقرت هند بنت عتبة بطنَه فأخرجت كبده، فجعلت تلوكها فلم تسغها فلفظتها، فقال الرسولُ صلى الله عليه وسلم: «لو دخل بطنها لم تمسها النار»، وخرج الرسولُ يلتمس حمزة، فوجده ببطن الوادي قد مُثِّل به، فلم ير منظراً كان أوجع لقلبه منه فقال: «رحمك الله، أي عم، فلقد كنت وصولاً للرحم فعولاً للخيرات». ودفن حمزة وابن أخته عبد الله بن جحش في قبر واحد.
* عناصر ترجمة وسيرة سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه:
5- جهاده .
.2حزن الرسول محمد والمسلمين على مقتل حمزة .
.4العودة إلى المدينة ورثاء حمزة.
** نسبه:
* هو «حمزة بن عبد المطلب (واسمه شيبة) بن هاشم (واسمه عمرو) بن عبد مناف (واسمه المغيرة) بن قصي (واسمه زيد) بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن
النضر (واسمه قيس) وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بنمدركة (واسمه عامر) بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان». هذا هو المتفق عليه من نسبه، وهو نسب الرسول محمدٍ نفسه تقريباً، فكلاهما من نسل عبد المطلب بن هاشم. أما ما فوق معد بن عدنان ففيه اختلاف كثير، غير أنه ثبت أن نسب عدنان ينتهي إلى إسماعيل بن إبراهيم.[3]
وهو شقيق صفية بنت عبد المطلب أم الزبير بن العوام، وهو عم الرسول صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة، أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب، فقد أرضعت حمزة بن عبد المطلب، ثم النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أبا سلمة عبد الله المخزومي القرشي، فكانوا جميعاً إخوة من الرضاعة.[4] وكان حمزةُ أسنَّ من الرسولِ صلى الله عليه وسلم بسنتين، وقيل: بأربع سنين، والأول أصح.[5]
** حياته في الجاهلية:
تربى حمزة بن عبد المطلب في كنف والده عبد المطلب بن هاشم الذي كان سيد قريش وبني هاشم، ونشأ مع تِربه وابن أخيه عبد الله وأخيه من الرضاعة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم ، وعاشا ينهلان من الشمائل والقيم العربية الأصيلة، من بطولة وشجاعة وكرم ونجدة وغيرها، وارتبطت بينهما صداقة متينة ووثيقة العُرا.[6]
كان حمزة في الجاهلية فتىً شجاعاً كريماً سمحاً، وكان أشدَّ فتى في قريش وأعزَّهم شكيمةً، فقد شهد حرب الفجار التي وقعت بعد عام الفيل بعشرين سنة، وقد دارت بين قبيلة كنانة التي منها قريش، وبين قبيلة قيس عيلان، وكانت حربُ الفجار أولَ تدريب عملي لحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، حيث مارس التدريب على استعمال السلاح، وتحمل أعباء القتال ومشقات الحروب.[7]
وينبغي الذكر أن حمزة بن عبد المطلب هو الذي خطب لابن أخيه محمد صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد عليها السلام، فقد رُوي أن خديجة بعثت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت له: «إني قد رغبت فيك لقرابتك مني، وشرفك في قومك، وأمانتك عندهم، وحسن خلقك، وصدق حديثك»، ثم عرضت عليه نفسها، وكانت أوسط نساء قريش نسباً، وأعظمهم شرفاً، وأكثرهم مالاً. فلما قالت للرسول صلى الله عليه وسلم ما قالت ذكر ذلك لأعمامه، فخرج معه عمُّه حمزة بن عبد المطلب حتى دخل على خويلد بن أسد، فخطبها إليه فتزوجها الرسولُ صلى الله عليه وسلم ،[8][9][10] وقيل إن حمزة خطبها من عمها أسد بن أسد،[11] وقيل إن الذي زوجها من النبي صلى الله عليه وسلم هو عمها عمرو بن أسد، فولدت خديجة له: القاسم وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة وعبد الله. وكان عُمْرُ الرسول صلى الله عليه وسلم حين تزوج خديجة خمساً وعشرين سنة، وقيل إحدى وعشرون سنة، وكان عمرها حينئذ أربعين سنة، وأقامت معه أربعاً وعشرين سنة.[8]
** إسلامه:
كان إسلامه على جبل الصفا في مكة، حيث اعترض أبو جهل الرسولَ صلى الله عليه وسلم وآذاه، فكان ذلك سببَ إسلام حمزة.
أسلم حمزة بن عبد المطلب في السنة الثانية من بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان سببُ إسلامه أن أبا جهل عَمراً بن هشام المخزومي القرشي اعترض الرسولَ محمداً عند جبل الصفا، فآذاه وشتمه ونال منه ما يكره من العيب لدينه والتضعيف له، فلم يكلمه الرسولُ صلى الله عليه وسلم ، ومولاةٌ لعبد الله بن جدعان التيمي القرشي في مسكن لها فوق الصفا تسمع ذلك، ثم انصرف عنه، فعمد إلى نادٍ لقريش عند الكعبة فجلس معهم. ولم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشحاً قوسه، راجعاً من قنص له، وكان إذا فعل ذلك لا يمر على نادٍ من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم، وكان أعزَّ قريش وأشدَّها شكيمةً، وكان يومئذ مشركاً على دين قومه، فلما مر بالمولاة، وقد قام الرسولُ صلى الله عليه وسلم فرجع إلى بيته، قالت له: «يا أبا عمارة، لو رأيت ما لقي ابنَ أخيك من أبي الحكم آنفاً، وجده ههنا فآذاه وشتمه وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمدٌ»، فاحتمل حمزةَ الغضبُ، فخرج سريعاً لا يقف على أحد كما كان يصنع يريد الطواف بالبيت، مُعداً لأبي جهل أن يقع به، فلما دخل المسجد نظر إليه جالساً في القوم، فأقبل نحوه، حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجَّه شجةً منكرةً، ثم قال: «أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول؟ فرُدَّ ذلك علي إن استطعت»، وقامت رجال من قريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل منه، فقالوا: «ما تراك يا حمزة إلا قد صبأت»، فقال حمزة: «وما يمنعني منه وقد استبان لي منه ذلك، وأنا أشهد أنه رسولُ الله، وأن الذي يقول حق، فوالله لا أنزع، فامنعوني إن كنتم صادقين»، فقال أبو جهل: «دعوا أبا عمارة، فإني والله لقد سببت ابن أخيه سباً قبيحاً»، وثبت حمزة على إسلامه وعلى ما بايع عليه الرسولَ صلى الله عليه وسلم من قوله، فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن الرسولَ صلى الله عليه وسلم قد عز وامتنع، وأن حمزة سيمنعه، فكفّوا عن بعض ما كانوا ينالون منه.[12][13][14]
ثم رجع حمزة إلى بيته، فأتاه الشيطان فقال: «أنت سيد قريش، اتبعت هذا الصابىء وتركت دين آبائك، لَلموتُ كان خيراً لك مما صنعت»، فأقبل على حمزة بثُّه فقال: «ما صنعتُ اللهم إن كان رشداً فاجعل تصديقه في قلبي، وإلا فاجعل لي مما وقعتُ فيه مخرجاً»، فبات بليلة لم يبت بمثلها من وسوسة الشيطان وتزيينه حتى أصبح، فغدا على الرسولِ صلى الله عليه وسلم فقال: «يا ابن أخي، إني قد وقعت في أمر لا أعرف المخرج منه، وإقامة مثلي على ما لا أدري ما هو، أرشد هو أم غي شديد؟ فحدثني حديثاً فقد اشتهيت يا ابن أخي أن تحدثني»، فأقبل الرسولُ صلى الله عليه وسلم فذكّره ووعّظه وخوّفه وبشّره، فألقى الله تعالى في نفسه الإيمان بما قال الرسولُ صلى الله عليه وسلم ، فقال: «أشهد أنك الصادقُ، شهادة الصدق، فأظهر يا ابن أخي دينَك، فوالله ما أُحبُّ أنَّ لي ما أظلته السماءُ وأني على ديني الأول».[15][16]
ورُوي عن حمزة بن عبد المطلب أنه قال:[17]
حـمـدت اللهَ حيـن هدى فؤادي | إلى الإسـلام والـدين الحنيفِ | |
لدينٍ جـاء مـن ربٍ عـزيـزٍ | خبيرٍ بالـعـبـاد بهم لطـيفِ | |
إذا تُلـيت رسائـلُه علينا | تـحـدَّر دمعُ ذي اللب الحصيفِ | |
رسائلُ جاء أحمدُ من هداها | بآياتٍ مـبـيـنـاتِ الـحـروفِ | |
وأحمدُ مصـطفىً فيـنا مطاعٌ | فلا تـغـشـوه بالقول العنيفِ | |
فلا واللـه نسـلـمه لقـومٍ | ولـمـا نقضِ فيهم بالـسـيوفِ | |
ونـتـرك منهمُ قتـلى بقاعٍ | عليها الطيرُ كالوردِ العكوفِ | |
وقـد خُبِّرت ما صنـعت ثقيفٌ | به فجزى القبـائلَ من ثقـيفِ | |
إلـهُ الناس شـرَّ جزاء قوم | ولا أسـقاهمُ صـوبَ الـخـريـفِ |
وبعد إسلام حمزة قويت شوكة المسلمين، وأخذ حمزةُ يُعلن دينه في كل مكان، ويتحدى أبطال قريش،[18] ومنهم عمر بن الخطاب، حيث إن عمر بن الخطاب لما أراد أن يسلم قال لخباب بن الأرت: «فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم»، فقال له خباب: «هو في بيت عند الصفا، معه فيه نفر من أصحابه»، فأخذ عمر سيفه فتوشحه، ثم عمد إلى الرسولِ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فضرب عليهم الباب، فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب الرسولِ، فنظر من خلل الباب فرآه متوشحاً السيف، فرجع إلى الرسولِ صلى الله عليه وسلم وهو فَزِع، فقال: «يا رسول الله، هذا عمر بن الخطاب متوشحاً السيف»، فقال حمزة بن عبد المطلب: «فأذن له، فإن كان جاء يريد خيراً بذلناه له، وإن كان جاء يريد شراً قتلناه بسيفه»، فقال الرسولُ صلى الله عليه وسلم: «ائذن له»، فأذن له الرجل، ونهض إليه الرسولُ صلى الله عليه وسلم حتى لقيه في الحجرة، فأخذ حجزته (موضع شد الإزار) أو بمجمع ردائه، ثم جبذه به جبذةً شديدةً، وقال: «ما جاء بك يا ابن الخطاب؟ فوالله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة»، فقال عمر: «يا رسول الله، جئتك لأومن بالله وبرسوله، وبما جاء من عند الله»، فكبَّر الرسولُ صلى الله عليه وسلم تكبيرةً عَرف أهل البيت من أصحاب الرسولِ صلى الله عليه وسلم أن عمر قد أسلم، فتفرق أصحاب الرسولِ صلى الله عليه وسلم من مكانهم، وقد عزوا في أنفسهم حين أسلم عمر مع إسلام حمزة، وعرفوا أنهما سيمنعان الرسولَ صلى الله عليه وسلم ، وينتصفون بهما من عدوهم.[19] وهذه القصة تدل على شجاعة حمزة، فقد كان عمر مشهوراً بالشدة والبطش،[18] وبعد إسلام عمر خرج المسلمون إلى شوارع مكة جهرةً، وكانوا بصفَّين: أحدهما يتقدمه عمر، والثاني حمزة، فبإسلامهما عز الإسلامُ والمسلمون.[18]
ولما أسلم حمزة بن عبد المطلب، قالت قريش بعضها لبعض: «إن حمزة وعمر قد أسلما، وقد فشا أمرُ النبي صلى الله عليه وسلم في قبائل قريش كلها، فانطلقوا بنا إلى أبي طالب، فليأخذ لنا على ابن أخيه وليعطه منا، والله ما نأمن أن يبتزونا أمرنا»،[20] ويدل ذلك على خوف المشركين من إسلام حمزة وعمر، وقلقهم أن ينتشر الإسلام بين قبائل قريش كلها بإسلامهم.
*** هجرته:
لما ازداد أذى قريش على المسلمين، ولم يَسلم من أذاهم الأقوياءُ ولا الضعفاءُ، أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة المنورة، فهاجروا إليها فراداً وجماعات، وهاجر حمزة مع من هاجر من المسلمين إليها قبيل هجرة الرسولِ صلى الله عليه وسلم بوقت قصير،[21] ونزل حمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة الكلبي، وأبو مرثد كناز بن حصن الغنوي (ويُقال ابن حصين)، وابنه مرثد، وهما حليفا حمزة بن عبد المطلب، وأنسة وأبو كبشة، وهما موليا النبي صلى الله عليه وسلم، نزلوا على كلثوم بن هدم أخي بني عمرو بن عوف من الخزرج بقباء، ويقال: بل نزلوا على سعد بن خيثمة، ويقال: بل نزل حمزة بن عبد المطلب على أسعد بن زرارة النجاري الخزرجي، كل ذلك يُقال.[22][23]
وبعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، آخى بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، وقال: «تآخوا في الله أخوين أخوين»،[24] ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب، فقال: «هذا أخي»، فكان النبي صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب أخوين، وكان حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة الكلبي مولى النبي صلى الله عليه وسلم أخوين، وإليه أوصى حمزةُ يوم أحد حين حضره القتال إن حدث به حادث الموت.[25][26]
*** جهاده:
سرية حمزة إلى سيف البحر:
كان أولُ لواء عقده الرسولُ صلى الله عليه وسلم لحمزة بن عبد المطلب، إذ بعثه في سرية إلى سيف البحر من أرض جهينة، وقيل إن أول لواء عقده لعبيدة بن الحارث بن المطلب،[5] قال ابن إسحاق: «فكانت رايةُ عبيدة بن الحارث -فيما بلغني- أولَ راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام لأحد من المسلمين».[27]
بعث الرسولُ صلى الله عليه وسلم حمزةَ بنَ عبد المطلب إلى سيف البحر من ناحية العيص، في ثلاثين راكباً من المهاجرين، ليس فيهم من الأنصار أحد، فلقي أبا جهل بنَ هشام بذلك الساحل في ثلاثمئة راكب من أهل مكة، فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني، وكان موادعاً للفريقين جميعاً، فانصرف بعضُ القوم عن بعض، ولم يكن بينهم قتال،[27] وكان الذي يحمل لواء حمزة أبا مرثد الغنوي.[28]
وقال بعض الرواة: «كانت رايةُ حمزة أولَ راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من المسلمين»،[29] وذلك أنَّ بعْثَه وبعْثَ عبيدة كانا معاً، فشُبِّه ذلك على الناس، وقد زعموا أن حمزة قد قال في ذلك شعراً يذكر فيه أن رايتَه أولُ راية عقدها الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن هشام: «وأكثر أهل العلم بالشعر يُنكر هذا الشعر لحمزة رضي الله عنه». وأما هذا الشعر الذي يُنسب لحمزة فهو هذه الأبيات:[30]
ألا يا لقومي للتحلم والجهلِ | وللنقص من رأي الرجال وللعقلِ | |
وللراكبينا بالمظالم لم نطأ | لهم حرمات من سوام ولا أهلِ | |
كأنا تبلناهم ولا تبل عندنا | لهم غير أمر بالعفاف وبالعدلِ | |
وأمر بإسلام فلا يقبلونه | وينزل منهم مثل منزلة الهزلِ | |
فما برحوا حتى انتدبت لغارة | لهم حيث حلوا ابتغى راحة الفضلِ | |
بأمر رسول الله، أول خافق | عليه لواء لم يكن لاح من قبلي | |
لواء لديه النصر من ذي كرامة | إله عزيز فعله أفضل الفعلِ | |
عشية ساروا حاشدين وكلنا | مراجله من غيظ أصحابه تغلي | |
فلما تراءينا أناخوا فعقلوا | مطايا وعقلنا مدى غرض النبلِ | |
فقلنا لهم: حبل الإله نصيرنا | وما لكم إلا الضلالة من حبلِ | |
فثار أبو جهل هنالك باغياً | فخاب وردَّ الله كيد أبي جهلِ | |
وما نحن إلا في ثلاثين راكباً | وهم مائتان بعد واحدة فضلِ | |
فيا للؤي لا تطيعوا غواتكم | وفيئوا إلى الإسلام والمنهج السهلِ | |
فإني أخاف أن يُصبَّ عليكمُ | عذاب فتدعوا بالندامة والثكلِ |
فأجابه أبو جهل بأبيات من الشعر قال فيها ابن هشام: «وأكثر أهل العلم بالشعر يُنكر هذا الشعر لأبي جهل»، وأما هذا الشعر الذي يُنسب لأبي جهل فهو هذه الأبيات:[31]
عجبت لأسباب الحفيظة والجهلِ | وللشاغبين بالخلاف وبالبطلِ | |
وللتاركين ما وجدنا جدودنا | عليه ذوي الأحساب والسؤدد الجزلِ | |
أتَونا بإفك كي يُضلوا عقولنا | وليس مضلاً إفكهم عقل ذي عقلِ | |
فقلنا لهم: يا قومنا لا تخالفوا | على قومكم إن الخلاف مدى الجهلِ | |
فإنكم إن تفعلوا تُدع نسوة | لهن بواك بالرزية والثكلِ | |
وإن ترجعوا عما فعلتم فإننا | بنو عمكم أهلُ الحفائظ والفضلِ | |
فقالوا لنا: إنا وجدنا محمداً | رضاُ لذوي الأحلام منا وذي العقلِ | |
فلما أبوا إلا الخلاف وزيَّنوا | جماع الأمور بالقبيح من الفعلِ | |
تيمَّمتُهم بالساحلين بغارة | لأتركَهم كالعصف ليس بذي أصلِ | |
فورَّعني مجدي عنهم وصحبتي | وقد وازروني بالسيوف وبالنبلِ | |
لإلَّ علينا واجب لا نُضِيعه | أمين قواه غير منتكث الحبلِ | |
فلولا ابن عمرو كنتُ غادرتُ منهمُ | ملاحمَ للطير العكوف بلا تبلِ | |
ولكنَّه آلى بإلٍّ فقلصت | بأيماننا حد السيوف عن القتلِ | |
فإن تُبقني الأيامُ أرجعْ عليهمُ | ببيض رقاق الحد محدَثة الصقلِ | |
بأيدي حماة من لؤي بن غالب | كرام المساعي في الجدوبة والمحلِ |
*** جهاده في غزوة بدر:
شهد حمزة بن عبد المطلب بدراً، وأبلى فيها بلاءً عظيماً مشهوراً، وكان حمزة بن عبد المطلب هو الذي ابتدأ قتال المشركين في غزوة بدر، فقد خرج رجل من جيش قريش هو الأسود بن عبد الأسد المخزومي القرشي فقال: «أعاهد الله لأشربن من حوضهم، أو لأهدمنه، أو لأموتن دونه»، فلما خرج، خرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فلما التقيا ضربه حمزة فأطن قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دماً نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه، يريد أن يبر يمينه، وأتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض.[32][33]
ثم خرج بعده عتبة بن ربيعة، بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة، حتى إذا فصل من الصف دعا إلى المبارزة، فخرج إليه فتية من الأنصار ثلاثة، وهم: عوف ومعوذ ابنا الحارث – وأمهما عفراء- ورجل آخر يُقال هو عبد الله بن رواحة، فقالوا: «من أنتم؟»، فقالوا: «رهط من الأنصار»، قالوا: «ما لنا بكم من حاجة»، ثم نادى مناديهم: «يا محمد، أخرج إلينا أكفاءَنا عن قومنا»، فقال الرسولُ صلى الله عليه وسلم: «قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا علي»، فلما قاموا ودنوا منهم، قالوا: «من أنتم؟»، قال عبيدة: «عبيدة»، وقال حمزة: «حمزة»، وقال علي: «علي»، قالوا: «نعم، أكفاء كرام». فبارز عبيدةُ، وكان أسن القوم، عتبةَ بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة بن ربيعة، وبارز علي الوليد بن عتبة، فأما حمزة فلم يُمهل شيبة أن قتله، وأما علي فلم يمهل الوليد أن قتله، واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين، كلاهما أثبت صاحبه (أي جرحه جراحةً لم يقم معها)، وكرَّ حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فذففا عليه (أي أسرعا قتله)، واحتملا صاحبهما فحازاه إلى أصحابه.[34]
وكان حمزة يُعلَّم في الحرب بريشة نعامة، وقاتل يوم بدر بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم بسيفين،[35] وقد رُوي عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: قال لي أمية بن خلف، وأنا بينه وبين ابنه آخذ بأيديهما (أي وهما أسيران عنده): «يا عبد الإله، من الرجل منكم المعلم بريشة نعامة في صدره؟»، قلت: «ذاك حمزة بن عبد المطلب»، قال: «ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل».[35][36]
وأما الذين رُوي أن حمزة بن عبد المطلب هو من قتلهم في غزوة بدر فهم:
وكان مما قيل من الشعر في يوم بدر، وترادَّ به المسلمون بينهم لِما كان فيه، قول حمزة بن عبد المطلب:[43]
ألم تر أمراً كان من عجب الدهرِ | وللحين أسبابٌ مبينة الأمرِ | |
وما ذاك إلا أن قوماً أفادهم | فحانوا تواصٍ بالعقوق وبالكفرِ | |
عشية راحوا نحو بدرٍ بجمعهم | فكانوا رهوناً للركية من بدرِ | |
وكنا طلبنا العيرَ لم نبغِ غيرها | فساروا إلينا فالتقينا على قدرِ | |
فلما التقينا لم تكن مثنويةٌ | لنا غيرَ طعن بالمثقفة السمرِ | |
وضربٍ ببِيضٍ يختلي الهامُ حدَّها | مشهرةِ الألوان بيِّنةِ الأثرِ | |
ونحن تركنا عتبة الغي ثاوياً | وشيبة في القتلى تجرجم في الجفرِ | |
وعمرو ثوى فيمن ثوى من حماتهم | فشقت جيوب النائحات على عمرو | |
جيوبُ نساء من لؤي بن غالب | كرام تفرعن الذوائب من فهرِ | |
أولئك قوم قُتِّلوا في ضلالهم | وخلَّوا لواءً غير محتضر النصرِ | |
لواءَ ضلال قاد إبليسُ أهلَه | فخاس بهم، إن الخبيث إلى غدرِ | |
وقال لهم، إذ عاينَ الأمر واضحاً | برئتُ إليكم ما بي اليوم من صبرِ | |
فإني أرى ما لا ترون وإنني | أخاف عقاب الله والله ذو قسرِ | |
فقدَّمهم للحين حتى تورَّطوا | وكان بما لم يخبرِ القومَ ذا خبرِ | |
فكانوا غداة البئر ألفاً وجمعُنا | ثلاث مئين كالمسدمة الزهرِ | |
وفينا جنود الله حين يمدنا | بهم في مقامٍ ثم مستوضح الذكرِ | |
فشدَّ بهم جبريلُ تحت لوائنا | لدى مأزق فيه مناياهم تجري |
*** جهاده في غزوة أحد ووفاته :
قُتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه في غزوة أحد عام 3هـ
شهد حمزة بن عبد المطلب غزوة أحد، فقُتل بها يوم السبت في النصف من شوال، وكان قَتَلَ من المشركين قبل أن يُقتل واحداً وثلاثين نفساً،[5] وقاتل حمزةُ حتى قَتَلَ أرطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، وكان أحد النفر الذين يحملون اللواء. وكذلك قتل عثمان بن أبي طلحة وهو حامل اللواء وهو يقول:
إن على أهل اللواء حقاً | أن يخضبوا الصعدة أو تندقا |
فحمل عليه حمزة فقتله. ثم مر به سباع بن عبد العزى الغبشاني، وكان يُكنى بأبي نيار، فقال حمزة: «هلم إلي يا ابن مقطعة البظور»، وكانت أمُّه أمُّ أنمارٍ مولاةَ شريق بن عمرو بن وهب الثقفي، وكانت ختانة بمكة، فلما التقيا ضربه حمزة فقتله.[44]
وقد رُوي عن ابن الشياب أنه قال: «كان رسولُ الله آخرَ أصحابه يوم الشعب (يعني يوم أحد)، ليس بينه وبين العدو غير حمزة، يقاتل العدو حتى قُتل، وقد قَتَلَ اللهُ بيد حمزة رضيَ الله عنه من الكفار واحداً وثلاثين رجلاً، وكان يدعى أسد الله».[45]
وكان جبير بن مطعم النوفلي القرشي قد دعا غلاماً له حبشياً يُقال له وحشي، يقذف بحربة له قذف الحبشة، قلَّما يخطئ بها، فقال له: «اخرج مع الناس، فإن أنت قتلت حمزة عمَّ محمد صلى الله عليه وسلم بعمي طعيمة بن عدي، فأنت عتيق».[46][47][48] وكان وحشي كلما مر بهند بنت عتبة أو مرت به تقول: «ويهاً أبا دسمة، اشف واشتف»، أي تحرضه على قتل حمزة بن عبد المطلب.[49]
وكان حمزة يقاتل يومئذٍ بسيفين، فقال قائل: «أيّ أسد هو حمزة!»، فبينما هو كذلك إذ عثر عثرة وقع منها على ظهره، فانكشف الدرعُ عن بطنه، فزرقه وحشي الحبشي مولى جبير بن مطعم بحربة فقتله. ومثَّل به المشركون، وبجميع قتلى المسلمين إلا حنظلة بن أبي عامر الراهب الأوسي، فإن أباه كان مع المشركين فتركوه لأجله، وجعلت نساء المشركين (هند بنت عتبة وصواحباتها) يجدعن أُنُفَ المسلمين وآذانَهم ويبقرون بطونَهم، وبقرت هند بطن حمزة فأخرجت كبده، فجعلت تلوكها فلم تسغها فلفظتها، فقال الرسولُ صلى الله عليه وسلم: «لو دخل بطنها لم تمسها النار».[5] وذكر موسى بن عقبة: «أن الذي بقر عن كبد حمزة وحشيٌّ، فحملها إلى هند فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها، فالله أعلم».[50]
وكان مقتل حمزة للنصف من شوال من سنة 3هـ، وكان عمره سبعاً وخمسين سنة، على قول من يقول إنه كان أسن من الرسول صلى الله عليه وسلم بسنتين، وقيل: كان عمره تسعاً وخمسين سنة، على قول من يقول إنه كان أسن من الرسولِ محمدٍ بأربع سنين، وقيل: كان عمره أربعاً وخمسين سنة، وهذا يقوله من جعل مقام الرسولِ صلى الله عليه وسلم بمكة بعد الوحي عشر سنين، فيكون للرسول صلى الله عليه وسلم اثنتان وخمسون سنة، ويكون لحمزة أربعٌ وخمسون سنة، فإنهم لا يختلفون في أن حمزة أكبر من الرسول صلى الله عليه وسلم .[5]
*** وحشي يروي قصة قتله حمزة:
روي عن وحشي بن حرب أنه حدَّث جعفر بن عمرو بن أمية الضمري الكناني وعبيد الله بن عدي بن الخيار النوفلي القرشي بقصة قتله حمزة بن عبد المطلب، فقال:
…أما إني سأحدثكما كما حدثت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألني عن ذلك، كنت غلاماً لجبير بن مطعم، وكان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر، فلما سارت قريش إلى أحد، قال لي جبير: «إن قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت عتيق»، فخرجت مع الناس، وكنت رجلاً حبشياً أقذف بالحربة قذف الحبشة، قلَّما أخطئ بها شيئاً، فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره، حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق، يهدُّ الناس بسيفه هدَّاً، ما يقوم له شيء، فوالله إني لأتهيأ له، أريده وأستتر منه بشجرة أو حجر ليدنو مني إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى، فلما رآه حمزة قال له: «هلم إلي يا ابن مقطعة البظور»، فضربه ضربة كأن ما أخطأ رأسه، وهززت حربتي، حتى إذا رضيت منها، دفعتها عليه، فوقعت في ثنته، حتى خرجت من بين رجليه، وذهب لينوء نحوي، فغُلب، وتركته وإياها حتى مات، ثم أتيته فأخذت حربتي، ثم رجعت إلى العسكر، فقعدت فيه، ولم يكن لي بغيره حاجة، وإنما قتلته لأعتق.
فلما قدمت مكة أعتقت، ثم أقمت حتى إذا افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة هربت إلى الطائف، فمكثت بها، فلما خرج وفد الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُسلِموا تعيت علي المذاهب، فقلت: «ألحق بالشأم، أو اليمن، أو ببعض البلاد»، فوالله إني لفي ذلك من همي، إذ قال لي رجل: «ويحك! إنه والله ما يقتل أحداً من الناس دخل في دينه، وتشهَّد شهادتَه»، فلما قال لي ذلك، خرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فلم يرعه إلا بي قائماً على رأسه أتشهد بشهادة الحق، فلما رآني قال: «أوحشي؟»، قلت: «نعم يا رسول الله»، قال: «اقعد فحدثني كيف قتلت حمزة»، فحدثته كما حدثتكما، فلما فرغت من حديثي قال: «ويحك! غيب عني وجهك، فلا أرينك»، فكنت أتنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان لئلا يراني، حتى قبضه الله . فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة خرجت معهم، وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة، فلما التقى الناس رأيت مسيلمة الكذاب قائما في يده السيف، وما أعرفه، فتهيأت له، وتهيأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى، كلانا يريده، فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت فيه، وشد عليه الأنصاري فضربه بالسيف، فربك أعلم أينا قتله، فإن كنت قتلته، فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قتلت شر الناس.[51][52][53] |
وقال ابن هشام: فبلغني أن وحشياً لم يزل يُحَدُّ في الخمر حتى خُلع من الديوان، فكان عمر بن الخطاب يقول: «قد علمت أن الله تعالى لم يكن ليدعَ قاتل حمزة».[54]
** حزن الرسول محمد والمسلمين على مقتل حمزة:
وخرج الرسولُ محمدٌ يلتمس حمزة بن عبد المطلب، فوجده ببطن الوادي قد بُقر بطنه عن كبده، ومُثِّل به، فجُدع أنفه وأذناه، فقال حين رأى ما رأى: «لولا أن تحزن صفية، ويكون سنة من بعدي لتركته، حتى يكون في بطون السباع، وحواصل الطير، ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلاً منهم»، فلما رأى المسلمون حزنَ الرسولِ محمد وغيظَه على من فُعل بعمه ما فُعل، قالوا: «والله لئن أظفرنا الله بهم يوماً من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب».[55][56][57]
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «أن الله عز وجل أنزل في ذلك، من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقول أصحابه: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [58] ، فعفا رسول الله ، وصبر ونهى عن المثلة».[59]
ولما وقف الرسولُ صلى الله عليه وسلم على حمزة قال: «لن أصاب بمثلك أبداً، ما وقفت موقفاً قط أغيظ إلي من هذا»،[59] ثم قال: «جاءني جبريل فأخبرني أن حمزة بن عبد المطلب مكتوب في أهل السموات السبع: حمزة بن عبد المطلب، أسد الله وأسد رسوله».[59][60] وقال أبو هريرة: «وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة وقد مُثِّل به، فلم يرَ منظراً كان أوجع لقلبه منه فقال: «رحمك الله، أي عم، فلقد كنت وصولاً للرحم فعولاً للخيرات»».[5] وقال جابر: «لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة قتيلاً بكى، فلما رأى ما مُثِّل به شهق، وقال: «لولا أن تجد صفية لتركته حتى يحشر من بطون الطير والسباع»»، وصفية هي أخت حمزة وهي أم الزبير بن العوام. وروى محمد بن عقيل عن جابر أنه قال: «لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم ما فُعل بحمزة شهق، فلما رأى ما فُعل به صعق».[5]
وأقبلت صفية بنت عبد المطلب لتنظر إليه، وكان أخاها لأبيها وأمها، فقال الرسولُ صلى الله عليه وسلم لابنها الزبير بن العوام: «القها فأرجعها، لا ترى ما بأخيها»، فقال لها: «يا أمه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي»، قالت: «ولم؟ وقد بلغني أن قد مُثل بأخي، وذلك في الله، فما أرضانا بما كان من ذلك! لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله»، فلما جاء الزبير إلى الرسولِ صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، قال: «خل سبيلها»، فأتته فنظرت إليه، فصلت عليه واسترجعت واستغفرت له، ثم أمر به الرسولُ صلى الله عليه وسلم فدفن.[61]
وعن جابر بن عبد الله قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في قبر واحد، يقول: «أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟»، فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد، وقال: «أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة»، وأمر بدفنهم في دمائهم، فلم يُغسلوا، ودفن حمزة وابن أخته عبد الله بن جحش الأسدي في قبر واحد، وكُفّن حمزةُ في نمرة، فكان إذا تُركت على رأسه بدت رجلاه، وإذا غطى بها رجلاه بدا رأسُه، فجُعلت على رأسه، وجُعل على رجليه شيء من الإذخر». وروى يونس بن بكير عن ابن إسحاق أنه قال: «كان ناس من المسلمين قد احتملوا قتلاهم إلى المدينة ليدفنوهم بها، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: «ادفنوهم حيث صرعوا»».[5]
صلاة الجنازة على حمزة رضي الله عنه:
رُوي عن ابن عباس أنه قال: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة فسُجِّي ببردة ثم صلى عليه، فكبر سبع تكبيرات، ثم أتى بالقتلى يوضعون إلى حمزة، فصلى عليهم وعليه معهم حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة»،[62] ورُوي عن أنس بن مالك أنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبَّر على جنازة كبَّر عليها أربعاً، وأنه كبَّر على حمزة سبعين تكبيرة»، وقال أبو أحمد العسكري: «وكان حمزة أولَ شهيد صلَّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ».[5]
وفي رواية عن أبي سفيان أنه قال: «قد كانت في القوم مثلةٌ، وإن كانت لَعَنْ غَيرِ مَلَأٍ مِنَّا، مَا أَمَرتُ وَلَا نَهَيتُ وَلَا أَحبَبتُ وَلَا كَرِهتُ، ولا ساءني ولا سرني. قال: فنظروا فإذا حمزة قد بُقِرَ بطنُه، وأخذت هند كبداً فلاكتها فلم تستطع أن تأكلها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أأكلت شيئاً؟»، قالوا: «لا»، قال: «ما كان الله ليدخل شيئاً من حمزة في النار»، قال: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة فصلى عليه، وجيء برجل من الأنصار فوُضع إلى جنبه فصلى عليه، فرُفع الأنصاري وتُرك حمزة، وجيء بآخر فوضعه إلى جنب حمزة فصلى عليه، ثم رُفع وتُرك حمزةُ، حتى صلى عليه يومئذ سبعين صلاة».[63]
** العودة إلى المدينة ورثاء حمزة:
ثم عاد الرسولُ صلى الله عليه وسلم راجعاً إلى المدينة المنورة، فلقيته حمنة بنت جحش الأسدية، فلما لقيت الناس نُعي إليها أخوها عبد الله بن جحش الأسدي، فاسترجعت واستغفرت له، ثم نُعي لها خالها حمزة بن عبد المطلب، فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعي لها زوجها مصعب بن عمير العبدري القرشي، فصاحت وولولت، فقال الرسولُ صلى الله عليه وسلم : «إن زوج المرأة منها لبمكان»، لِما رأى من تثبتها عند أخيها وخالها، وصياحها على زوجها.[64]
ومر الرسولُ صلى الله عليه وسلم بدار من دور الأنصار من بني عبد الأشهل وبني ظفر من الأوس، فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم، فذرفت عيناه فبكى، ثم قال: «لكن حمزة لا بواكي له»، فلما رجع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير إلى دار بني عبد الأشهل أمرا نساءهم أن يتحزمن، ثم يذهبن فيبكين على عم الرسولِ صلى الله عليه وسلم ، فلما سمع الرسولُ صلى الله عليه وسلم بكاءهن على حمزة خرج عليهن وهن على باب مسجده يبكين عليه، فقال: «ارجعن يرحمكن الله، فقد آسيتن بأنفسكن»، قال ابن هشام: «ونُهي يومئذ عن النوح». وروي عن أبي عبيدة أن الرسولَ صلى الله عليه وسلم لما سمع بكاءهن قال: «رحم الله الأنصار، فإن المواساة منهم ما عتمت لقديمة، مروهن فلينصرفن».[65]
وقال كعب بن مالك السلمي الخزرجي برثاء حمزة هذه الأبيات (وقيل هي لعبد الله بن رواحة الحارثي الخزرجي):[5]
بـكـت عيني وحُـقَّ لها بكـاها | وما يُغني البكاءُ ولا العويلُ | |
عـلـى أسد الإله غـداة قالوا | لحمزة: ذاكم الرجـل القتيلُ | |
أصـيـب المسلمون به جـميـعاً | هـنـاك وقد أصيب به الرسولُ | |
أبا يـعـلى لك الأركـان هـدَّت | وأنـت الماجد البر الوصـولُ | |
علـيـك سـلامُ ربك فـي جـنـانٍ | يـخـالـطـهـا نعـيمٌ لا يزولُ | |
ألا يـا هاشـمَ الأخـيار صبـراً | فـكـل فـعـالـكم حسنٌ جمـيلُ | |
رسـول اللـه مصـطـبرٌ كـريـمٌ | بـأمـر اللـه ينطق إذ يقولُ | |
ألا مـن مُـبـلِـغ عـنـي لـؤياً | فـبـعـدَ اليوم دائـلةٌ تدولُ | |
وقبل اليوم ما عرفوا وذاقوا | وقـائعنا بها يُشـفى الغليلُ | |
نـسـيـتـم ضربنا بقلـيب بدر | غداة أتـاكم الموت العجـيلُ | |
غـداةَ ثـوى أبو جهل صـريـعاً | عليه الطـير حائـمة تـجـولُ | |
وعـتـبـة وابنه خرا جـميـعاً | وشـيـبـة غضَّه السيف الصقيلُ | |
ألا يا هـنـدُ لا تُبـدي شمـاتاً | بـحـمـزة إن عـزكـم ذلـيـلُ | |
ألا يا هـنـدُ فابكـي لا تملِّـي | فأنت الوالهُ العبرى الثكولُ |
وقال حسان بن ثابت النجاري الخزرجي يبكي حمزة بن عبد المطلب:[66]
أتعرف الدارَ عفا رسمُها | بعدَك صوب المسبل الهاطلِ | |
بين السراديح فأدمانة | فمدفع الروحاء في حائلِ | |
ساءلتُها عن ذاك فاستعجمت | لم تَدرِ ما مرجوعة السائلِ؟ | |
دع عنك داراً قد عفا رسمها | وابكِ على حمزة ذي النائلِ | |
المالئِ الشيزى إذا أعصفت | غبراء في ذي الشبم الماحلِ | |
والتارك القرن لدى لبدة | يعثر في ذي الخرص الذابلِ | |
واللابس الخيل إذ أجحمت | كالليث في غابته الباسلِ | |
أبيض في الذروة من هاشم | لم يمر دون الحق بالباطلِ | |
مال شهيداً بين أسيافكم | شلت يداً وحشي من قاتلِ | |
أي امرئ غادر في ألة | مطرورة مارنة العاملِ | |
أظلمت الأرض لفقدانه | وأسودَّ نور القمر الناصلِ | |
صلى عليه الله في جنة | عالية مكرمة الداخلِ | |
كنا نرى حمزة حرزاً لنا | في كل أمر نابنا نازلِ | |
وكان في الإسلام ذا تدرأ | يكفيك فقد القاعد الخاذلِ | |
لا تفرحي يا هندُ واستحلبي | دمعاً وأذري عبرة الثاكلِ | |
وابكي على عتبة إذ قطه | بالسيف تحت الرهج الجائلِ | |
إذا خرَّ في مشيخة منكم | من كل عاتٍ قلته جاهلِ | |
أرداهم حمزة في أسرةٍ | يمشون تحت الحلق الفاضلِ | |
غداة جبريل وزير له | نعم وزير الفارس الحاملِ |
وقد رُوي عن سعد بن إبراهيم عن أبيه أن عبد الرحمن بن عوف أُتي بطعام، وكان صائماً فقال: «قُتل مصعب بن عمير، وهو خير مني، فكُفن في بردته، إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه بدا رأسه»، وأراه قال: «وقُتل حمزة وهو خير مني، ثم بُسط لنا من الدنيا ما بُسط»، أو قال: «أُعطينا من الدنيا ما أُعطينا، وقد خشينا أن تكون حسناتُنا عجلت لنا»، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام.[67]
** زوجاته وذريته:
تزوج حمزة بن عبد المطلب عدة زوجات هنَّ:
المصادر
البداية والنهاية، ج2 ص359
المراجع الأساسية: