سيدي محمد الفاسي رضي الله عنه من أقطاب السادة الشاذلية

سيدي محمد الفاسي رضي الله عنه من أقطاب السادة الشاذلية

سيدي محمد الفاسي رضي الله عنه

وأما أحوال الشيخ سيدي محمد الفاسي فإنه رضى الله عنه كان متشرعًا متحققًا بالعلوم والمعارف الإلهية، ومتخلقًا بجميع الأخلاق والصفات المحمدية، أعطاه الله الكشف، وألبسه من حلل المهابة، وتوجه بتاج الكرامة، وأسبغ عليه نعمه، وأعطاه القطبانية، فسبق أهل العرفان والولاية، جمع بين الحقيقة والشريعة، وأعطى كل ذي حق حقه، اتسع كشفه إلى أن سمع تسبيح الملائكة والجبال والحجر والمدر([1])، فزاده الله شرفًا، ورفع في العالم الأسنى شأنه، اغترف من العلوم الشرعية ما يعجز عنه مقالي، وأما علوم أهل الطريقة والحقيقة، فحدث عنه ولا تبالي، أَصغِ بقلبك لما أُمليه عليك من ذكر مشايخه في علم الظاهر والباطن.

قرأ القرآن في بدايته بالمغرب الأقصى، واشتغل بقراءة العلم على مذهب إمام دار الهجرة سيدنا مالك بن أنس رضى الله عنه، فكان من جملة أشياخه الشيخ العلامة، والبحر الفهّامة، عمدةُ المحققين القاضي سيدي العباس أبو سودة ابن مرّة الفاسي المالكي، قرأ عليه «الخليل» في الفقه، وشارحه الخرشي، وعبد الباقي، والشيخ العلامة المحدث الهمام، واسطة عقد العلماء الأعلام، وشيخ الحديث والتدريس سيدي عبد السلام البرعي، قرأ عليه التفسير، والحديث، والمصطلح، وغيرها من السنة، وتخرَّجَ على يده، فكان يتعجب من حفظه ونقله، واطلاعه وكشفه. وأما كتبُ السِّير كالكَلاعي([2]) والوقدي([3]) والحريفيش([4]) و«الترغيب والترهيب»([5]) وغيرها من كتب الحديث، فتخرَّج بها، وقرأها على الهمام سيدي العربي الزرهوني المالكي المغربي الفاسي. وأما علم النحو، وبعض علوم الأدب والمعقول، فقرأها وتخرج بها على الأديب الأوحد سيدي عبد السلام بن موسى الأندلسي، وقرأ «الرسالة» للقشيري([6])، وغيرها من كتب التصوف على العالم الفريد سيدي التهامي بن حمادي. فهؤلاء أشياخه رضى الله عنهم، فكانوا يتعجبون من شدة اطلاعه، وسرعة حفظه، واقتلاعه؛ لكونه محفوظًا بالعناية الأزلية، ثم اشتغل رضى الله عنه بعبادة الله تعالى حتى كان ممن قيل فيهم:

رجالٌ على التَّحقيق ليس لغيرهم   …… من المُلك إلاّ اسمُهُ وعُقابُه

فكان في هذه المدة مُشتغلًا آناء الليل وأطراف النهار بالصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم، حتى كان يختم «دلائل الخيرات» في كلِّ يومٍ إحدى وعشرين مرة، غير ما يعقبها من تلاوة القرآن والذكر والصلاة.

وكان رضى الله عنه كثير الزيارة للأولياء الأحياء منهم والأموات، عفيفًا عن محارم الله تعالى، غاضًّا بصره عن ما لا يُرضي الله تعالى، ثم بشَّره بالولاية رجلٌ من أولياء الله تعالى يقال له الشريف سيدي أحمد الغيران، كان من أهل التعريف والأحوال، كان لا يقدرُ أحدٌ يُكلّمه، وكان رضى الله عنه إذا لقي أستاذنا، وهو في تلك الحالة صحا وعانقه، ويقول له: مرحبًا بسيدي ابن عطاء الله، هكذا كان دأبه كلما لقيه إلى أن جمعه الله تعالى على شيخه قطب الدائرة والمدد الأستاذ الأعظم سيدي الشيخ محمد بن حمزة ظافر المدني قُدّسَ سره، فاقتبس من أنواره الذاتية، ومعارفه الجبروتية، ومكثَ يقتبس من هذه الأنوار التي تفيض على روحه من حضرة الوهاب نحوًّا من ثمانية عشر عامًا، وهو يُرّبي المريدين في حياة شيخه إلى أن تحقق بالولاية الكبرى، وأذن له شيخه بالإرشاد، وإظهار أسرار الحقيقة، ونشر الطريقة في بلد الله الأمين، وقد انتفع به أهل المشرق والمغرب.

وكراماته لا تحصى منها: أنه في ابتداء أمره رضى الله عنه حين تجرد لله ورسوله، وترك الدنيا وراء ظهره، ونفر من أبناء جنسه، وصار تائهًا في حبِّ الله تعالى، وكان يحتطب لإخوانه، ويخدمهم، ويقوم بما يرضيهم، وكان كثير السياحات مع إخوانه مع خرق العادات، وقد أتاه مرة أربعةٌ من اللصوص، يريدون أخذ ما عنده، فأشار إليهم بيده، فأعمى الله أبصارهم عنه، وصاروا يقولون: أين ذهب، وكان الآن معنا؟! وهو معهم يراهم ويسمعُ صوتهم.

ومنها: أنه حصلتُ له في بعض سياحته مشقةٌ وتعب، حتى تورمت قدماه، فخطر بباله ما لا يليق في حقِّ أُستاذه، ونوى الذهاب إلى مكة ليفتش على شيخ كامل، فرأى الحق جلّ وعلا في تلك الليلة رؤية منامية، وأمر الحقُّ تعالى به أنْ يُضرب، فضرب سوطين أدبًا، ثم قال: إلهي، تبتُ إليك، فقال تعالى: أطلقوه، ثم أوقفه بين يديه، وقال له: سلني. فقال: إلهي، سألتك العصمة. فقال: لا أعصمك، وليست إلا للأنبياء. فقال: إلهي، أسألك الحفظ. فقال: لك ذلك، ثم انتبه من نومه رضى الله عنه، ثم ترادفت عليه المعارف الإلهية من حينه، ونظم قصيدته العينية، وهي تنوفُ عن سبعين بيتًا التي أولها:

شربتُ شرابَ السرِّ من خمرةِ الصَّفا  …… فسُكري بها حقًّا وما لي منازعُ

سقاني ساقيها الحبيبُ فلم أرَ    …… سواه على الإطلاقِ في الكون لامعُ

ولا خطرتْ لي في سواه معيةٌ   …… فمهما رأيتُ الخلق ما أنا جازعُ

وأبصرتُ ما فوق البرية والثرى    …… كذا العرش والكرسي لحكمي طائعُ

فصرتُ أنا السَّاقي لمن جاء عاطشًا   …… مُغيثًا لمن ناداني في الكلِّ شافعُ

أنا الشِّربُ والمشروبُ والقدحُ الذي    …… يكونُ لأهلِ الشِّرب فيه الودائعُ

أنا النور والأنوار والسِّرُّ والخفا  …… أنا الشمسُ والأقمارُ من نوري ساطعُ

فيا أيُّها الملهوفُ إنْ كنتَ ظامئًا    …… فنادي بنا يا فاسي آتِ، أُسارعُ

إلى آخر القصيدة المشهورة.

ومنها: أنَّه كان في بعض السياحات، فحلَّ بأرضٍ من أعمال طرابلس، فاجتمع عليه أهل تلك الأرض، فصاروا يبكون، ويستصرخون، ويستظلمون من واليهم، ويستغيثون بالشيخ من جور هذا الولي وظلمه، وهجومه على بيوت المسلمين، والشيخ قدس سره يبكي بينهم، ثم قال لهم الأستاذ: بالله الذي لا إله إلا هو، لا يبقى متوليًّا عليكم أكثر من هذا الشهر، إما أن يُعزل، وإما أن يموت، فعزل بعد ثلاثة أيام، وحصل منه بعد ذلك ما كان سببًا لموته، وقطع رأسه.

ومن أسرار الأستاذ قدس سره، ما أخبر به أخونا سيدي الأستاذ أحمد الحضراوي قال: كنت مع الأستاذ قدس سره في بعض السياحات، قال: فدخلت ذات ليلة على الشيخ، فرأيت شمس أنوار التجلي عليه ساطعة، ومكالمة الذاتي في ذات صفاته قاطعة قامعة، إذ برق لي منه بارقُ القبول والوصول، فقال قدس سره: تعال يا أحمد عندي، واكتب عني واسمع ما أقول: أتاني الساعة من الله ورسوله أن أقول: قدمي هذا على رقبة كل وليٍّ حيٍّ. قال قدس سره: فلما قلتها وأنا في وسط ديوان أولياء الله تعالى، أراد بعض الأولياء الحاضرين حينئذ أن يقول هذه المقالة، فقلت له: وعزة الله وعظمته، إن قلتها لأخرجنك من الديوان والدائرة، وأسلبنك من الولاية، فسكت، ولم يقلها، وقد قال العارفون في معنى ذلك قصائد كثيرة، فهو الحائز للخلافة المعنوية كما رأى ذلك، وهو في الروضة الشريفة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عن ذلك بما يبهر العقول، وإن أردت الوقوف على ذلك فانظر إلى مؤلفاته ومناقبه، وكثيرًا ما كان يقول: والله لولا أنّي مقيد بقيد الشريعة لأظهرت العجب العجاب.

وكان يقول: أعطاني الله علومًا مثل علوم من سبق من الأولين، ولا يسع ما أعطاني الحقُّ إلا صدري، فكان قدس سره قطبًا ربانيًّا، وهيكلًا صمدانيًّا، اجتهد في جمع قلوب عباد الله على الله، حتى صار له من الزوايا العامرة بالمتجردين ما لا يُحصى عدده في بلاد الحجاز، والهند، والشام، ومصر، وسائر بلاد الإسلام.

خدم رضى الله عنه الأولياء إلى أن خدمته الأقطاب، ساح في هذا الشأن نحو تسع وعشرين سنة، وأَلَّفَ في العلوم كتبًا كثيرة مشهورة في البلاد الإسلامية. وانظر إلى كتابه «الكنز المطلسم»، تر ما يسرك من العلوم الربانية، وكتابه «الفتوحات الربانية والإجازة المدنية» وكتاب «مراتب الدين ونهاية العارفين» وناهيك بها من مؤلفات نفيسة.

وقد انتقل إلى رضوان الله تعالى، ودفن في المعلى بمكة المكرمة سنة ألف ومئتين وتسع وثمانين.

وورث عنه سرَّ الذات، وسرَّ الروح، نجله السعيد سيدي محمد المكي شمس الدين لا زالت الإمدادات منهما تزيد إلى يوم الدين.

ولو تتبَّعنا أحوال الشيخ وكراماته لم تسعها هذه الورقات، وإن أردت الزيادة على ما ذُكر فعليك بكتاب «معاهد التحقيق» لمولانا سيدي محمود الوفائي قُدّس سرّه، الجاري طبعه الآن بمشيئة الملك الديان بالمكتبة الفاسية الشاذلية، وهو وبعض مؤلفات الأستاذ مولانا محمد الفاسي رضي الله عنه وأرضاه. اللهم ارزقني وأحبَّتي الانخراط في سلكهم، والسلوك على نهجهم وطريقهم، بجاه سيدنا ومولانا محمد ممدِّهم صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين. آمين.

وأما سيدنا محمد الفاسي رضى الله عنه فأخذ عن شيخه القطب الكبير، والعلم الشهير، سيدي محمد حمزة ظافر المدنيرضى الله عنه، وقد ترجمه في «فتوحاته»، فقال: أخذت الطريقة الشاذلية عن سيدي وأستاذي مربي المريدين بالهمَّة، والحال، وموصلهم إلى مقام التحقيق بالأوصاف في مقامات الإنزال، قطب الدائرة، والمدد الغوث الجامع الفرد الشيخ سيدي محمد بن حمزة ظافر المدني قدس سره العزيز في سنة 1242 بعد موت أستاذه، ورجوعه من المغرب الأقصى، إلى طرابلس الغرب فجمعني الله به، واقتبست من أنواره الذاتية، ومعارفه الجبروتية، فكنت أقتبسُ من تلك الأنوار التي تفيض على روحه من حضرة الجبار نحوًا من ثماني عشرة سنة، فنفعني الله به.

كان رضى الله عنه تنبتُ الأولياء بساحته كما تنبت الأرض البقل إذا صبَّ عليها المطر، كانت أخلاقه أخلاق الأنبياء، وأحواله خاصة الخاصة من الأولياء والأصفياء، كان قدس سره قطبًا، فمن أنواره تستمدُّ الأقطاب، ومن بحاره تستمد الأنجاب، من نظر إليه أغناه، ومن عرفه لا يريد سواه، له أحوالٌ عجيبة، وأسرار غريبة، اجتهد في علم المعاملات إلى أن بلغ أعلى المقامات، وخدم الأولياء إلى أن خدمته خاصَّةُ الخاصة من الأصفياء والأولياء، وساح في هذا الشأن نحو خمس وعشرين سنة في أرض المغرب الأقصى إلى أن وصل إلى ساحل عين حمية، وخدم بنفسه المشايخ والصالحين، وهو يطلب حي ليلى، إلى أن وجد أهلَها في حائط ليلى، وحائطُ ليلى هذا اسمُ مكانٍ لمستقر مولانا الشيخ العربي.

توفي قُدّس سره سنة اثنتين وأربعين ومئتين وألف، ودُفن بمسرات بزاويته، ومقامه بها، تقصده الزوار من كل مكان، اللهم انفعنا به، واحشرنا تحت لوائه. آمين.

 

وأما سيدي محمد بن حمزة ظافر المدني قدس سره([7])، فأخذ الطريقة عن أستاذه وموصله بالسلسلة النورانية مولانا العربي الدرقاوي رضى الله عنه.

وقد ترجمه شيخنا رضى الله عنه في كتابه «إتحاف أهل العناية» فقال: أما الدرقوية فنسبةً إلى أصل مددها، وعنصر مشربها، وقطب دائرتها، الذي تدور عليه، وهو أستاذ شيوخنا العارف الأكبر، القطب الأشهر، الشريف الحسني سيدنا ومولانا العربي بن مولانا أحمد الدرقوي قدس سره، ونفعنا به، وجعلنا على عهده، وأثره إلى لقاء الله، وحشرنا في زمرته. آمين.

وقد بسطت ترجمته في الجملة في «طبقاتنا»، وذكرتُ بعض مآثر طريقه ومناقبها ومزاياها، ونقلتُ ما للأكابر في ترجمته، ومنه ما ترجمه به العلامة الأمجد، الصوفي الأوحد، مُليِّنُ القلب القاسي أبو العباس سيدي أحمد بن الخياط الفاسي رضي الله عنه ونفعنا به، ولنشر إلى ذلك باختصار فنقول: هو الشيخ الإمام، الغوث الهمام، العارف الرباني، المحقق الصمداني، شيخ المشايخ العارفين، وقدوة الصدور المربين، الواصلين الكاملين، من بالنظرة والعطفة يداوي، ولغير سيده ومولاه لا ياوي، الشريف الحسني أبو المعالي مولاي العربي بن أحمد الدرقوي.

قال الأستاذ أبو العباس المذكور بعد التحلية المتقدمة: فهو رضى الله عنه من ساداتنا الشرفا، أهل بيت الرسول المصطفى، الذين عنهم الرِّجسُ انتفى، وشمسُ مجدهم ما لها خفا، من الفرقة التي لقبُها الدرقاويون، وهم في بقاعٍ من الأرض منتشرون، وفي أماكنهم معظمون، وبحيازة النسب الشريف معروفون، ذكرهم غير واحد من أهل التآليف، ورفع نسبهم الشريف في الكتب والتصانيف، عند ملوك الإسلام بأيديهم ظهائرهم الآمرة بتعظيمهم بين الأنام، سيما ظهائر الشريف الجليل أمير المؤمنين مولانا إسماعيل، فقد بحث عن الأشراف، وميز اليواقيت من الأصداف، واستعمل النظر، وتوج بطالعه الشريف من له الدليل المعتبر.

قال أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين سيدي محمد بن مولانا عبد الله بن مولانا إسماعيل في ظهير له ما نصُّه: ولا يحل لنا أن نهمل ما أظهره الله بالمواجب الشرعية، والظهائر السلطانية، لأن الملوك الأقدمين كانوا لا يجددون جديدًا إلا بعد شهادة أهل بلادهم لهم، بتحقيق نسبهم.

وقال في هذا الظهير أيضًا قبل هذا ما نصُّه: ويعلم ويتحقق أن العلماء العالمين أجمعوا على أن النَّسب المقطوع به في غربنا من غير شكٍّ ولا ريب هو ما أُدخل في دفتر مولانا الجد رحمه الله، بعد ما تحقق أمره، لأن ملكه أتبع القرى، والمداشر، والحواضر، وشهدت لهم الكافة والجمهور، وحقق من دفتر أبي العباس المنصور، وبحث فيه أولًا وثانيًا، فإذا هو مشهور، وبوجوده رحمه الله انقطعت شوكةُ أهل الظلم والجور، والجرأة والعناد بالكذب على سيد العباد. انتهى المُراد منه.

ونحوه لمولانا سليمان في ظهير له، وذكر فيه مولانا العربي رضى الله عنه، ووصفه بالزهد والمعرفة بالله في قضية ذكرها في شأنه، ولا شك أن هذه الطائفة من الأشراف منتشرة، وفي مواضعها مشتهرة، ففرقة منها بفاس دفع الله تعالى عنها كل باس، بالعيون، تعرف بأولاد ابن عبد النبي، وكانت في هذه الفرقة المباركة النقابة زمن مولانا إسماعيل، وسيدي محمد بن عبد الله، ومولانا سليمان، كما وقفت على ذلك في غير موضع، ومنها فرقةٌ بسوس الأقصى([8]). ومنها فرقةٌ بساحل دكالة بثغر مدينة آسفي، التي بها ضريح الولي الصالح الشهير الواضح أبي محمد صالح تلميذ الشيخ الكبير أبي مدين الغوث، نفعنا الله به، والكثير منها بقبيلة بني زروال، وكلُّهم أهل حياء وسخاء، ومسكنةٍ وعفّة، وجدهم الذي ينتسبون إليه هو الإمام أبو عبد الله سيدي محمد بن يوسف الملقب بأبي درقة، كان قدس سره عظيم القدر، شهير الذكر، وكان قدس سره عالمًا، عاملًا، زاهدًا كثير القيام، والصيام، والصدقة، يختم القرآن كل يوم، مجاهدًا في سبيل الله، وكانت له درقةٌ([9]) كبيرة يتوقّى بها في الحروب، فصار يقال له أبو درقة، وضريحه مشهور للزيارة، عليه قبَّةٌ مُتقنةٌ بتامسنة بقبيلة الشاوية، قريبًا من وادي أمِّ الربيع، وهو من ذرية مولانا أحمد بن مولانا إدريس بن مولانا إدريس رضى الله عنه.

وقد كان الشيخ مولانا العربي رضى الله عنه في حال شبابه تحيَّر في أمر نفسه، فأراه الله تعالى ذلك عيانًا، وكشف له عن نورٍ كالنور الذي تسميه العامة عروسة المطر، ضاربًا قوسًا من النبي صلى الله عليه وسلم إلى مولانا إدريس، ومن مولانا إدريس إلى سيدي أبي درقة، ومن سيدي أبي درقة إلى والد مولانا العربي رضى الله عنه، وهذا التحير كثيرًا ما يعتري الأفراد من آل البيت رضى الله عنهم، وسببه التعظيم لهذا النسب الشريف، وخوف الدعوى، وهذا الخوف من الورع، وإلا فكلُّ من وجد قومه وآباءه يدَّعون نسبًا حُرِّمَ عليه أن يدعي خلافه، إلا أن يتحقق خلاف ذلك، وكذب آبائه.

ولد الشيخ المترجم له قدس سره بعد الخمسين والمئة والألف، بقبيلة بني زروال، ذات البركات المتكاثرة، والأنوار الساطعة، بعطفة سيد الأرسال، فهي قبيلةٌ مباركة، ولها منافع وخواص شهيرة. منها حسبما نقله أبو العباس المذكور أن بها أولاد الخلفاء الأربعة ساداتنا أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي قُدِّس سرّهم. ومنها أن الولي الكبير الأستاذ الشهير سيدي الحاج ابن فقيرة الزروالي قرأ سلكة برواية السبع في الروضة الشريفة، روضة النبي صلى الله عليه وسلم فلما ختمها أجابه صلى الله عليه وسلم وقال له: هكذا أُنزلَ عليَّ أيها الإمام الزروالي، بارك الله فيك، وفي قبيلتك الزروالية. ومنه ما جمع الله فيها من الزُّروع، والضروع، والعنب، والزيتون، والفواكه، وشجاعة أهلها.

وكان هذا الشيخ مولانا العربي قدس سره يقول: الناس يقولون: من مسَّ ثوبه

-ثوب الزروالي- يربح ولا يخسر. كأنه قدس سره أشار بهذا الكلام لنفسه تحدثًا بنعم الله تعالى، ونصيحة لعباد الله؛ فإن أولياء الله تعالى إِكسيرُ القلوب، من رآهم سعد بهم سعادةً لا يشقى بعدها.

وكونه قدس سره زرواليًّا ولادةً ومنشأ ونسبةً لا يُنافى كونه من أعيان آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم لما اشتهر عند المحدثين أن من قام بموضع أربع سنين ذهب إليه، وصحت نسبته إليه.

نشأ رضى الله عنه عند أهله في عفاف وصيانة، وحياء ومروءة، وكان وقت صباه مشتغلًا بالقراءة والزيارة، لا يعرف إلا الأخيار مؤيدًا محفوظًا. قال رضى الله عنه: هممت مرة بمعصية في حال الصبا مع بعض من تتعلق الشهوة به، فخرجت بجسمي قروح كثيرةٌ عند ورود خاطر السوء على قلبي، فاستغفرتُ الله، فذهب ما بي في الحين، فضلًا من الله ونعمة.

حفظ القرآن في السلكة الأولى حفظًا متقنًا، وكان محبوبًا عند جميع من رآه. قال رضى الله عنه: كنت أسلك للطلبة ألواحهم، وكثيرًا ما أقبضُ اللوح بيدي، وأقول لصاحبه قبل أن أنظر فيه: هذا اللوح ثقيل، فيه كذا وكذا خسارة، أو خفيف ما فيه إلا كذا وكذا، أو لا شيء فيه، فلا أجدُ إلا ما أخبرتهم به إلهامًا من الله سبحانه.

وكانت حالُه في القراءة عدم التكلَّفَ، بل يكتبُ اللوح ويتأمله قليلًا، ويتركه، ويشتغلُ بالكتابة لألواح الطلبة، والسرد معهم، وكذلك كانت قراءته للسبع حتى حفظها، ثم اشتغل بقراءة العلم بفاس بالمدرسة المصباحية مدَّةً صالحة، ثم لقي الشيخ الكبير العارف الشهير الشريف المنيف([10]) أبا الحسن سيدي عليًّا بالمعروف بالجمل، نفعنا الله به، بعد ما تكررت منه الزيارة لمولانا إدريس بن إدريس رضي الله عنهما. قيل: قرأ بضريحه ستين سلكةً في طلب الشيخ المرشد. ولما ختم الختمة المكملة للستين بكى بكاءً شديدًا إلى أن احمرت عيناه، وخرج من ضريح مولانا إدريس، فمر بالشريف سيدي حميد من حفدة القطب الشهير العارف الكبير مولانا عبد العزيز الدبَّاغ من ابنته، فقال له -وكان منظورًا عنده وعند غيره بالتعظيم-: ما لي أراك على هذه الحالة؟ وألحَّ عليه، فأخبره بأنه اضطر إلى من يأخذ بيده، فقال له: أنا أدلُّكَ عليه إذا لم تشاور عليه أهل الرأي القاصر، والعقل الفاتر، وقد قال الشريشيُّ في رائيته:

ولا تسألنْ عنه سوى ذي بصيرة    …… خليٍّ من الأهواءِ ليس بمغترٍّ

قال: فقلت له: ومن هو؟ فقال: هو الأستاذ الجليل الشريف الأصيل، الغوث الجامع، والبحر الواسع أبو الحسن سيدي علي بن عبد الرحمن العمراني الملقب بالجمل رضى الله عنه.

وقد قال الشيخ المترجم قُدّس سره: وكان عادتي ألا أُقدمَ على أمر من الأمور جليلًا أو حقيرًا إلا بعد الاستخارة النبوية، فاستخرت الله في تلك الليلة، فبتُّ أخوض في صفاته: كيف هو؟ وكيف تكون ملاقاتي معه؟ حتى لم يأخذني النوم تلك الليلة، ولما صليت الصبح قصدته لزاويته بالرُّميلة التي ضريحه بها الآن مشهور مقصود للزيارة، فدققت الباب، فإذا به قائمٌ يشطب الزاوية؛ إذ كان لا يترك تشطيبها بيده المباركة كل يوم مع كبر سنه، وعلو شأنه، فقال: أيش تريد؟ قلت: أريد يا سيدي أن تأخذ بيدي لله، فقام معي قومة عظيمة، ولبس الأمر عليَّ، وأخفى عني حاله، وصار يقول: من قال لك هذا؟ أو من أخذ بيدي أنا حتى آخذ بيدك؟ وزجرني ونهرني؟ وكلُّ ذلك اختبار لصدقي، فولّيت من عنده، قال: فاستخرت الله تلك الليلة أيضًا؛ فصليتُ الصبح، وقصدته لزاويته أيضًا، فوجدته على حاله يشطب الزاوية رضى الله عنه، فدققت الباب، ففتح لي، وقلت: تأخذ بيد لله؟ فقبض على يدي، وقال لي: مرحبًا بك، وأدخلني لموضعه بالزاوية، وفرح بي غاية الفرح، وسُرَّ بي غاية السرور، فقلت له: يا سيدي، كم لي أُفتِّشُ على شيخ؟ فقال لي: وأنا كم لي أُفتِّشُ على مريد صديق، فلقَّنني الورد، وقال لي: امش، وجئ، فكنت أمشي وأجيء كل يوم، فيذكرني مع بعض الإخوان من أهل فاس حرسها الله من كل باس.

ولزم شيخه سنتين، ولما فجأه الفتح المبين، وتمكن من حاله غاية التمكين، وأراد الله نفع العباد به، خرق عنان عنايته إلى الانتقال من فاس إلى بلده، قبيلة بني زروال حيث هو الآن بها، فاستأذن شيخه حينئذ في الرحيل بأولاده، فأذن له بذلك رضي الله عنه ونفعنا به.

وأما سيرته وأحواله وأقواله وأفعاله: فقد كان بحرًا لا ساحل له، وقد تكلم على ذلك في الجملة غير واحد من تلاميذه، وتلاميذ تلاميذه كمولانا الوالد في «الفتح الوهبي»، والشيخ سيدي المهدي ابن القاضي في «النور القوي»، والعارف بالله أبي العباس المتقدم، وغير هؤلاء السادات ، وكلُّ ذكر رشحةٌ من بحره الطامي، بحسب ما سمح له به الوقت، وتجلت له به الحضرة.

ومن ذلك ما قاله الشيخ أبو العباس المذكور جزاه الله الكريم الشكور ونصُّه: لنذكر جملة من سيرة مولانا العربي رضى الله عنه في بدايته وسلوكه، وبيان روايته ونسكه، وجملة من أحواله التي أدركه أصحابه عليها.

أما أحواله رضى الله عنه في بدايته وسلوكه فمعظمها زهده في الدنيا، وتجرده عنها حسًّا ومعنًى، وتحققه بوصفه، ومخالفته لنفسه وتركه للأخف عليها، ومتابعة لما يثقل عليها، إلا ما كان حقًّا وأسرع إجابة وفتحًا، كما قال رضى الله عنه، وإقباله على الحقِّ، وإعراضه عن جملة الخلق، لا يُبالي بهم، مدحوه أو ذموه، وتمسُّكه بالفاقة([11]) والافتقار وإيثاره للذلَّة والاحتقار، وحذره مما ألفه الناس من الجمع والادخار، لا ترك من عشائه لغدائه، ولا من غدائه لعشائه، بل يأخذ قدر ما يقيم به بنيته وبنية عياله، ويخرج الباقي لعباد الله، وهذا مسلكٌ عظيم، لا يقدر عليه إلا من أقدره الله عليه.

قال الشيخ الإمام العلامة النحرير([12])، العارف المكاشف الكبير، ولي الله تعالى، أبو العباس سيدي أحمد ابن عجيبة المنجري الحسني: مكثَ مولانا العربي على هذه الحالة الموصوفة خمسًا وعشرين سنة، لا يترك من عشائه لغدائه، ولا من غدائه لعشائه، بل حتى ما يكون في المصباح من دهن الفتيلة([13])، ثقة بالله، واعتمادًا على الله، واعتصامًا بالله، وكان تأتيه الفتوح من عند الله، ولا يأخذ منها إلا قدر ضرورته وزوجه وأولاده منها، وهم جماعةٌ كالطير في وكرها غدوًا وأصيلًا([14]) حتى أتاه الإذن من الله، فكان يأخذ بالله كما كان يترك لله، وصار يزيد بكلِّ شيء، ولا ينقص منه شيء.

وكان رضى الله عنه في ابتداء أمره يلبس الخشن؛ كالتليس، وكالدربال، والغرارة، والكساء الغليظ جدًّا، المخطط بالسواد، أو القشَّابة المقلوبة وحدها، والشاشية البالية النقية المرشوقة، بل كان يردف الشواشي على بعضها فوق رأسه ثلاثًا أو أربعًا، ويحمل على ظهره قرابين أو ثلاثة.

وأما تعرية الرأس، والمشي بالحفاء، والسؤال بالأسواق، وغيرها، والجلوس على المزابل مع الحذر من النجاسة والرقا بالطريق، وحمل القربة على الظهر، وإعطاء الماء لله إلى غير ذلك من أحوال الملامية، وفعالهم التي تبعد من الخلق، وتقرِّبُ من الملك الحق، ولا يفعلها إلا المخلوق الذي لا يبالي بنفسه، ولا يرائي أبناء جنسه، فكان على كثيرٍ منها، بل كان على أحوال غريبة، ونوافل شاقة على النفوس صعبة، وكلامه في رسائله مشحون بما يدل على ذلك.

وقد نال رضى الله عنه من الله تعالى بهذه الرواتب الحظ الأوفر، والنصيب الأكبر، ولا يزال يتقرب إليه تعالى بها وبغيرها حتى اجتباه، ولحضرته بمنه حباه، فكان آيةً في المعرفة بالله، والعمل، والكرم، والحلم، والصبر، والتأنّي، والعفة، والخشية، والهيبة، والسكينة، والتواضع، والحياء، والجود، والسخاء، والزهد، والورع، والرحمة، والتوكل، والشفقة، والقناعة، والاكتفاء بعلم الله، والأنس والاطمئنان بالله، والسكون إليه في جميع الأحوال، والعشق، والشوق، والعزم، والقريحة([15])، والنية الصالحة والمحبة، والظن الحسن، والصدق، والهمة العالية، وسعة القدر، والأخلاق الكريمة، والمحاسن العظيمة والأحوال السنية، والمقامات السمية، والمواهب اللدنية، والمواجيد الربانية، صاحب محو وفناء، وصحو وبقاء، وغيبة في مولاه، وشهود لما به تولاّه، وقد أغرق في بحر الحقيقة، وأُوتي الجذبَ([16]) حقيقة، وأُعطي القوّة والتمكين، والرسوخ في المعرفة واليقين، وسلك من السنة منهاجًا قويمًا، وصراطًا مستقيمًا، وشرب من الخمرة الأزلية صفوًا، وورد منهلها الأروى، فقويت أنواره، وفاضت في الآفاق بيناته وأسراره، وسقى الجم الغفير من شرابه كؤوسًا، وملأ قلوبهم وأرواحهم أقمارًا، وشموسًا، فتوالت بذلك إرادته، ودامت لديهم مناولته، ومدّوًا منها على الأبد، بمدد جسيم: ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ﴾ [الحديد: 21]، هذا مما ليس شأنه أن تُقام عليه البراهين والبينات، لا سيما عند أهل الاعتقادات الكاملة والنيات الصالحات.

على أن مآثر هذا السيد الجليل قد بلغت مبلغ التواتر القطعي، وخصوصًا عند هذه الطائفة الشريفة المنيفة المنتشرة انتشار الشمس في الآفاق، وبالجملة فظاهر هذا السيد كغيره من العارفين كالناس في أحوال بشريَّتهم من الأكل، والشرب، والنوم، والنكاح، والبيع، والشراء، والتسلف، والتعجب، والضحك مما يضحك الناس منه، والسهو، والنسيان، والسؤال عما لا يدرونه، والضعف والمرض، والاحتياج، والافتقار، والعجز، وغير ذلك من أوصاف البشرية التي لا تناقض العبودية، بل بها وفيها كمالُها، وباطنهم وحقيقتهم، والله ليسوا كالناس، وإن وافقوهم في الصورة، فمشاهدتهم لم تكن لهم في نفوسهم وفي الكائنات محصورة، فهم كالإكسير الذي يقلب الأعيان حقيقة لا محالة، وهم كلمة الله التي لا حصر لها، ولا نفاد، فلا تُحصى شمائلهم، ولا تنتهي فضائلهم، حتى قال الشيخ أبو العباس المُرسي رضى الله عنه: لو كُشف عن حقيقة الولي لعُبِدَ، وحسب من لم يصل إلى مقامهم، ولا خرج من سجن نفسه، ولا سلك سبيل هذا الطريق، أن يسلمها لأهلها، ويحسم مادة الإنكار من أصلها، ويدخل في حيز: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقلُ خيرًا أو ليصمت»([17])؛ إذ «من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»([18])، فينتفع بالتسليم كما ينتفع بالإيمان بالغيب، وأما من أراد تفقهًا، فقد دخل حتمًا في قول الله تعالى: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ﴾ [يونس: 39]، ومبنى طريق القوم كله على التسليم والانقياد، أو تصميم الإيمان، والاعتقاد لا على الإنكار والانتقاد. فقد قال الشيخ زروق رضى الله عنه: مبنى الفقه على البحث والتحقيق، ومبنى التصوف على التسليم والتصديق، وبالله التوفيق.

وأما عبادته رضى الله عنه: فقد كانت على منهاج الشرع، من غير تعمُّق ولا فتور متوسطة، ليست بالإفراط ولا بالتفريط، لا رخصة عنده في مؤكَّد السنن، والرغائب في النظافة والطهارة، والتلاوة، والاستخارة، والزيارة، وصلاة الضحى، وتحية المسجد، وقيام سويعة قبل الفجر، ويوقظ أهل داره كلهم في ذلك الوقت، وعيادة المرضى، وتشييع الجنائز، وإطعام الطعام للصادر والوارد، حتى كان نادرة الزمان، شائعٌ خبره، ذائعٌ في جميع الأوطان، والصدقة كل يوم وكل ليلة، حتى كادت تبلغ عنده حد الفرائض، أمرٌ مخصوصٌ فوق ما هو عليه من إطعام الطعام للخاص والعام، والمسارعة للفضائل في كل وقت، والتواضع لله مع كل خلقٍ، حتى مع من لا خلاق له، يعظمه، ويكرمه، ويواسيه، ويجالسه، ويباششه فوق ما نرفع ونصنع نحن مع العلماء والصالحين، لكن من ذاق عرف، ﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ﴾ [البقرة: 60]، فليس من اطلع على حقيقة الوجد وعرفها بالعيان والشهود كمن لم ير إلا سماءً وأرضًا، ومخلوقات مختلفات الألوان، والأسماء، والصفات، واللغات، والذوات ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 9]، ﴿أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ﴾ [الرعد: 16]، لا والله، مع ذلك كان يحب التخشن في اللباس، والمأكل، والفراش، والجلوس، ويختار الصلاة والجلوس على التراب، ويقول: الجلوس على الأرض من غير فراش يورث الغنى.

وكان رحمه الله كثير التحفظ على الاستبراء قولًا وفعلًا، ويحضُّ عليه غاية أكثر من كلِّ شيء، ولا يتوضَّأ إلا أن تنقطع عنه بواقي البول بالكلية، ويطمئنُ قلبه بذلك، ويقول: من توضأ قبل أن يتحقق بانقطاع بواقي البول لا وضوء له، ولا صلاة له، ولا دين له.

وكان يؤكّد على أصحابه المواظبة والدأب على الوضوء دائمًا، ومهما أحدث، والصلاة عقبه، والدعاء عقب الصلاة، وكان يؤخِّرُ قلنسوته([19]) وعمامته في السجود، ويباشر الأرض بجبهته وأنفه، ويرتِّل القراءة، ويفصلُ بين الفاتحة والسورة قدر ما يبلعُ الإنسان ريقه، وكذا بين السورة والشروع في تكبير الركوع، وكان يبسمل قبل الفاتحة في الفريضة والنافلة، ويسر بها في الفريضة في محل الجهر للوفاق بين الأئمة، كما اختاره الإمام المازري، وغيره. وكان يذكر الذِّكر الوارد عقب صلاة الفريضة: أستغفر الله [ثلاثًا]، اللَّهُمَّ أنت السلام، ومنك السلام، وإليك يعودُ السلام، حيِّنا ربَّنا بالسلام، وأدخلنا دارَ السلام، تباركتَ وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا الله، وحدة لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا مُعطي لما منعت، ولا راد لما قضيت، ولا ينفع ذا الجد منك الجدُّ، ويقرأ آية الكرسي إلى آخرها، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، [ثلاثًا وثلاثين مرة مجموعة]، ويرفع يديه، ويسأل الله من فضله الهداية والعافية لجميع العباد.

وكان أحب الأعمال والأذكار والعبادات إليه رضى الله عنه الصلاة، ويقول: كررنا أعمالًا كثيرة سنين عديدة، وقد وجدنا لسائرها بركة كبيرة، وبركة تكرار الصلاة قد وجدناها والله تفوق بركة كل عملٍ، ولولا ما تعرض لنا من قول المشايخ الذي هو: من لا شيخ له، فالشيطان شيخه، ومن لا شيخ له لا قبلة له، ومن لا شيخ له فهو بطال، إلى غير ذلك، لقلنا: إنها -أي الصلاة- تقوم مقام الشيخ، وكذلك الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الهيللة، وكذلك تلاوة القرآن، وغير ذلك من أعمال البر؛ لأنه قدس سره، كان يرى الدأب على العمل مع حضور القلب، وترك ما لا يعني بالكلية، والمحافظة على الفرائض، والسنن يقوم مقام الشيخ لمن لا يجده، وأما من وجده فقد قال في شأنه: ما نفع القلب شيءٌ مثل الزهد في الدنيا، والجلوس بين يدي الأولياء.

وكان يحضُّ على الصلاة غايةً لما رأى فيها من المصافاة والمناجاة، ولكونها محل تنزّل البركات والرحمات، وجامعةً لجميع العبادات.

وقال قدس سره: ونرى والله أعلم أنَّ من صلى الصلاة كاملة الشروط والأدب بشرط أن لا يتوضأ إلا بعد استبرائه من بوله، حتى لا يبقى أدنى بواقيه، فإنه يفتح عليه الفتح الكبير الذي لا مثل له ولا نظير، إن شاء الله تعالى.

وكان يقول: اغتنموا الصلاة قبل الفوت، بالضعف والكبر، أو الموت، ومن عليه فوائتُ فليقضها، وإلا فسيندم عليها، والحاصل أنها كانت قرَّةَ عينه، ومطمح نظره، ومفزعه في الرخاء والشدة، والملاء والوحدة، وأعظم الكنوز والذخائر عنده، فلا يعجز عنها، ولا يكسل، ولا يقنط من تكرارها، ولا يمل أحضرًا أو سفرًا، قيامًا وقعودًا، صحةً وسقمًا، مع كبر سنِّه؛ لأنها كيمياء الأدباء التي تقلب الأعيان، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وجعلت قرة عيني في الصلاة»([20]).

وكان قدس سره يسرد كتب الصوفية رحمهم الله على طبقاتهم أهل المجاهدة، والرياضة، والسلوك، وأهل الجذب، والحقائق بداية ووسطًا، ونهاية، ويقتطف من بساتينها الأزهار والأنوار، ويجني منها الفواكه والأثمار، ويطالع بعض كتب الفقه كالعبادة، وشرح «الرسالة» وشرحي الشيخ ميارة([21]) الكبير والصغير على «المرشد المعين» لابن عاشر([22]) وشرح «الوغليسية» للشيخ زروق، و«طبقات الأولياء» للشيخ الشعراني، و«طبقات العلماء» للشيخ سيدي أحمد بابا السوداني([23])، و«المعزى في مناقب الشيخ أبي يعزّى» وغيرهم، وكتب التفسير كالإمام ابن عطية([24])، والإمام الخازن([25])، وذي الجلالين([26])، ولم يكن يستوعب كتابًا بالمطالعة من أوله إلى آخره، سوى «صحيح الإمام البخاري» رضى الله عنه، و«الشفا» للقاضي عياض رضى الله عنه.

وكان يُحبُّ التجريد، ويأمر به، ويلبس المرقعة ويقول: التجريد من الدنيا ظاهرًا وباطنًا، يصلح لجميع الناس، وعندي ما من رسولٍ ولا نبيٍّ إلا كان متجرِّدًا من الدنيا، ومحذرا مُتَّبعيه منها.

قال: والتجرد عند أهله كالإكسير عند أهله، فلا ينكره إلا من جهله، ولم يعرف قدره.

أما حلقة الذكر التي شاع أمرها وذاع عند كافة أصحابه بأرض المشرق، وأرض المغرب، والصحراء، وسُوس الأقصى والأدنى في المدن، والقرى والمداشر، والخيام في المساجد، والزوايا، والديار ليلًا ونهارًا بالجهر والقيام والقعود، والإجلال والتعظيم جماعة بلسان واحد، وميلة واحدة بالإشباع والتوسط والقصر في الهيللة، واسم الجلالة باللسان والصدر على حسب المراتب، وتشبيك الأيدي في القيام وفي الجلوس كحالة التشهد، إلى غير ذلك من آدابها، وإنشاد الأبيات بالمعاني الرقيقة، وتغزلات الحقيقة التي اصطلح الصوفية رضى الله عنهم عليها، فهي دأبه وديدنه، ومنها كان فتحه واستمداده، وعليها دار مذهبه، ومشربه، والمبتدئ والمتوسط والمنتهي وطالب التبرك وذو المحبة كلهم فيها سواء، كالصلاة وكل واحد يجني ثمرة ذكره بحسب مكانته من ربه وقدره، إلا النساء فلا يحب حضورهن، بل ولا قربهن للرجال، نعم إن كنَّ وحدهن بموضع خلوي بحيث لم تُسمع لهن أصوات فيحبُّهنَّ يذكرن حينئذ بجماعةٍ على لسانٍ واحدٍ جهرًا، كحال حلقة الذكر عنده، وبالله التوفيق.

تخرج على يده رضى الله عنه خلق كثير، وانتفع به من عباد الله جم غفير.

حدثنا شيخنا الفقيه العلامة أبو حفص سيدي الحاج عمر بن سودة المُريّ رحمه الله أنه ما توفي الشيخ مولانا العربي حتى خلف نحو الأربعين ألف تلميذ، كلهم متأهلون للدلالة على الله سبحانه، انتهى كلام الشيخ سيدي أحمد بن الخياط رضى الله عنه.

وأما علومه ومقالاته في الطريق، وحكمه ووصاياه التي انقادت وخضعت لها أهل الحق والتحقيق، فرسائله المباركة الجليلة كفيلةٌ بها، ومشتملة على قدر وافر منها، ونفع الوجود بها لا يشك فيه اثنان، ولا يمتري فيه أهل سلامة الأذهان، فمن أراها فليراجعها، وقد طبعت بالمطبعة الفاسية، فلتطلب حيث توجد، وبالله التوفيق.

وأما الشريف مولانا علي الجمل العمراني الحسني رضى الله عنه أستاذه فكان من الشرفاء الأعيان، والعلماء أهل العرفان، ومقامه بفاس، وله ضريحٌ يزار بالرُّميلة، وعليه قبَّةٌ، وضريحه مشهور، والدعاء عنده مجرب لدفع الملمات، ونزول البليات.

وأخذ طريقته رضى الله عنه عن أستاذه العالم العلامة الشيخ سيدي العربي بن أحمد بن عبد الله الفاسي رضى الله عنه، وهو أخذ عن والده حسًّا ومعنى سيدي أحمد بن عبد الله، صاحب المخيفة المشهور عند أهل الغرب بالغوث.

وكان رضى الله عنه مجاب الدعوة، قطبًا كاملًا، مهابًا في القلوب، أنواره فياضة.

توفي رحمه الله بفاس، ودفن بمدافن أسلافه السادات الفاسية رضى الله عنهم.

وهو أخذ عن أستاذه المشار إليه بالبنان مولانا قاسم الخصاصي، دفين باب الفتوح من حضرة فاس حرسها الله من كل باس، وهو عن أستاذه الكامل، الغوث الشامل، مولانا محمد بن عبد الله الفاسي رضي الله عنه ونفعنا به، وهو عن القطب الرباني، والعارف الصمداني، الشيخ سيدي أبي زيد عبد الرحمن الفاسي، كان رضى الله عنه بحرًا في العلوم الظاهرة، وله تآليف عديدة، ومناقب حميدة، وكان سُمّي عند أهل فاس بصاحب العلم الأعلى، شهرته بالغرب تُغني عن تعريفه، وهو اقتدى، وصحب شيخه ومربيه سيدي يوسف الفاسي رضى الله عنه.

وكل هؤلاء من السادات الفاسية ومدافنهم بباب الفتوح من أبواب فاس، وشهرتهم بالغرب كشهرة السادات الوفائية بمصر، اللهم انفعني وأهل محبتي بحبهم.

وأخذ سيدي يوسف عن أستاذه القطب المحبوب مولانا عبد الرحمن المجذوب، دفين مكناسة الزيتون، ومقامه بها يزار، وكان رضى الله عنه من أهل الحقائق المتمكنين، ومن السادات أرباب الدوائر المتصرفين، وله لسان عال في كلام القوم، فمن قوله رضى الله عنه:

الناسُ زارتْ محمد   …… وأنا سكن لي في قلبي

وكلامه رضى الله عنه كله حقائق، أمدنا الله من أنواره، ونفعنا بأسراره.

وهو أخذ عن شريف صنهاجة المكنّى بالدوار سيدي علي الصنهاجي، دفين باب الفتوح، كان رضى الله عنه من أكابر العارفين، ومن أهل التمكين، وقبره بفاس، ليستغاث به، ومن الأماكن المجربة لإجابة الدعاء، اللهم إنا نتوسل به إليك في قضاء حوائجنا، ودفع ملماتنا يا كريم.

وهو أخذ عن شيخ الرجال، وقطب الأنجاب والأبدال أبي إسحاق سيدي إبراهيم الفحام، تلميذ البحر الدفُّوق سيدي أحمد زروق رضي الله عنهم أجمعين، اللهم إنا نتوسل بهم إليك أن تجعلنا من الذين أنعمت عليهم، وعطف علينا قلب مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأخذ سيدي إبراهيم عن شيخه سيدي زروق، عن سيدي أبي العباس الحضرمي، عن سيدي أبي الفضل يحيى الفوائي القادري، عن سيدي علي وفا، عن والده سيدي محمد وفا، عن سيدي داود بن ماخلا، عن سيدي تاج الدين بن عطاء الله، عن أبي العباس المرسي، عن أبي الحسن الشاذلي قطب الدائرة والعدد، عن شيخه سيدي عبد السلام بن مشيش، عن سيدي عبد الرحمن الزيات، عن سيدي تقي الدين الفقير، عن سيدي فخر الدين، عن سيدي نور الدين، عن سيدي تاج الدين، عن سيدي شمس الدين، عن سيدي إبراهيم البصري، عن أبي القاسم أحمد بن مروان، عن القطب سعيد، عن القطب سعد دفين مصر، عن أبي عبد الله محمد فتح السعود، عن القطب الغزواني، عن التابعي سيدي أبي جابر، عن سبط خير البرية ومنبع أسرار هذه الطريقة العلية، الإمام محمد بن الحسن بن الإمام علي كرم الله وجهه، وابن مولاتنا فاطمة الزهراء بنت مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظم وكرم، اللهم أمدنا، وأحبتنا، ووالدينا، ومشايخنا، وإخواننا وكافة المسلمين من أنوارهم القدسية، وأصلح بواطننا بمشاهداتهم الربانية، واجمعنا على بساط القرب والمشاهدة، وألحقنا بنسبهم، وحققنا تحقق أهل المراقبة والمعرفة بجاه سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

مبنى طريقة شيخنا رضى الله عنه وأنها الطريقة المحمدية: اعلم أيُّها الأخ الناجح أن العارف الرباني، والقطب الفرد الهيكل الصمداني، قطب الدلالة والإرشاد، نبراس([27]) الحقيقة والإسعاد، سلم الحضرة النبوية، المتمسك بالكتاب والشريعة النبوية، شيخنا وملاذنا([28]) بنى طريقته على أربع قواعد: ذكر، ومذاكرة، واجتماع، واستماع. وكثيرًا ما يحرض الإخوان على التمسك بآداب أهل العرفان ويدلهم على فعل الخيرات، وترك العموم، ومصاحبة الإخوان في الله، ومحبتهم لله في الله، وتطهير الأعراض مما في أيدي الناس من الأغراض، والزهد وعدم التكلّف، ولين الجانب، والمحبة، والتوادد، وغير ذلك من الصفات الحميدة، وناهيك بما ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة الواردة، والأوامر الشرعية رضي الله عنه وأرضاه وعمنا برضاه آمين.

محاسنه وخلقه في التواضع وكرم الأخلاق: اعلم أيها المشغوف بذكر سماع فضائل الصالحين، أن شيخنا ومولانا كريم الأخلاق، أقامه الله رحمة للعباد، فساد وشاد، ونصح العباد، فهو آيةٌ عظمى أهدتها يد العناية الرحمانية إلى العالم، فتلقاها بالقبول، ودرة ثمينة كبرى، تحلت بها جياد أهل المعرفة والوصول، حاز من المعارف أسناها، ونال من الفضائل أعلاها وأغلاها، وتمنطق برداء مقامات العبودية السنية حتى بلغ منتهاها، تحلى بأحسن الشمائل، وتجمل بأجمل الفضائل، يتواضع للزائرين، ويباسط الحاضرين، ما رأيت مثله في التواضع، يأمر رضى الله عنه بالانخفاض، وإسقاط المنزلة والجاه خصوصًا لأمة لا إله إلا الله. ويقول: التواضع صفة العارفين، وسر من أسرار رب العالمين. ويؤيد هذا القول قول مولانا العربي الدرقاوي قدس سره -لما سأله سائلٌ عن التصوف ما هو؟-: هو إقامة شرائع الدين، والقيام بخدمة المسلمين، وسلب الإرادة لرب العالمين. أو كلام هذا معناه.

ويأمر قدس سره أصحابه بالتشبه بأهل الله، والاتصاف بالذل والانكسار، والعزة لله الواحد القهار.

ومجالسه قدس سره لا تخلو من الحكم، والمذاكرات، والمواعظ المفيدة، فطوبى لمن حضر مجلسًا من مجالسه، وسمع من مواعظه وكلامه ونفائسه، رحمه الله تعالى، ومتعنا برضاه، حتى نلقاه. آمين.

نصائحه التي يبديها لحضرات الإخوان وأهل المحبة الخالصة: اعلم أيها الطالب طريق الوصول، الشائق في محبة الرسول، وآله وصحبه ووارثيهم الفحول، أن شيخنا كنز الأسرار، ومنبع الأنوار، نبراس الأولياء، وتاج الأصفياء، شيخ الشيوخ، وملاذ أهل التمكين والرسوخ، كثيرًا ما ينصح الإخوان وأهل المحبة بعدم المعاملة بينهم إلا فيما يُرضي الله ورسوله؛ وذلك لدوام المحبة وصفاء القلوب، إذ قد تقرر لدى السادات أن أمور المقتضيات الحسية تعوق المريد وتقهقره عن موارد المقامات المعنوية، فكثيرًا ما يحرض الأصحاب على التمسك بهذه الآداب، والعمل بما يوجب التآلف، لدوام المحبة والتعارف، ويؤيد ذلك قول أكرم الرسل الكرام: «استكثروا من الإخوان فإن لكل منهم شفاعة»([29]).

ويحض تلامذته كثيرًا رضى الله عنه بعدم الظهور خوفًا من استيلاء النفس على المريد، فإن ذلك من الموانع التي تعطل المريد في طريقه إلى الوصول إلا من قهر نفسه، وتغلب عليها، فذاك لا يغره خفاء ولا ظهور، وهذا نعت المريدين، السالكين مسالك أهل اليقين، جعلنا الله منهم، وأمدنا بمدد شيخنا، وبدر هدايتنا، وشمس طريقتنا، رضي الله عنه وأرضاه. آمين.

مجاهدات شيخنا رضى الله عنه في بدايته وعكوفه في جانب حضرة الله: اعلم أيها المجد المجاهد، السالك طريق الأماجد، أن شيخنا وسيلة الأسرار، ومنبع اللطائف والأنوار، جاهد في بدايته حتى وصل، ولازم الذكر حتى صار عن روحه وجسده لا ينفصل، أقام في طاعة الله مستجلبًا رضا مولاه حتى فتح عليه، وأقبلت الناس إليه، وتبركوا بالتنزل بين يديه.

قال قدس سره: لما كنت في زاوية أستاذي وعمدتي وملاذي لاقتني بنت صغيرة، لكنها بالذكر جديرة، قالت لي:

يا شيخ ياللي ماشي    …… الدنيا ما منها شي

وكلُّ ما فيها لا شي     …… وغير ربك ما يبقى شي

 

بنتٌ صغيرة لكنها في القدر كبيرة، ولعمري إن هذا سر من الأسرار، ووحيٌ من الملك القهار، وخطاب من المتوج بالأنوار، سيدنا محمد المختار، عليه وآله صلاة الله آناء الليل وأطراف النهار.

فانظر أيها المحب السالك إلى فعلِ مالك الممالك مع أوليائه السالكين أحسن المسالك، واقتد بهم، وانهج على نهجهم تفز بالعناية الربانية، وتحظ بأنوار خير البرية.

ووصل شيخنا قدس سره في مقام المجاهدة منتهاه، حتى تحققت بشاراته، وظهرت كراماته، وشهدت له الأعيان بأنه من ذوي الفضل والإحسان، فسبحان المنعم على أوليائه والمفيض على أحبائه بما به تقرُّ العيون.

واعلم أن شيخنا رضى الله عنه الغالب عليه الجمال، فتراه عاكفًا في حضرة ذي الجلال، مستغرقًا في شهود عظمته، تاركًا للتدبير والاختيار، مُسلّمًا أموره للواحد القهار؛ فبلغ أعلى مقامات المقربين، ونال درجات العارفين.

وكان رضى الله عنه في بدايته قائمًا بشؤون الإخوان، مستغرقًا في حضرة الرحمن، حتى أشير إليه بالبنان. رضي الله عنه وأرضاه، وجعلنا على أثره، وأماتنا على حبه وحب أصحابه وحزبه. آمين.

كراماته رضى الله عنه ومشاهداته وبشاراته: اعلم أيها المحبُّ لسماع الكرامات، الشائق في محبة السادات، أن شيخنا أبا المواهب والأنوار، المتوج بتاج البهاء والفخار، زمزم أسرار الواصلين، وكعبة الوافدين كثيرًا ما يقول، ويتمثل بقول الفحول: الاستقامة خير من ألف كرامة. لكن صح عند أهل الله أن الولي إذا كمل، وسلك مسالك الأول، تقع على يديه الكرامات، لأمر أراده عالم الخفيات، فتقع على يديه، وتتحقق الكرامة لديه، فمن ذلك شيخنا رضي الله عنه وأرضاه، قد تقع على يديه الكرامة، وهو مستغرق في الشهود، سابحٌ في بحر مدد سيد الوجود.

فمن كراماته رضى الله عنه: قال: أول دخولي الطريق، واندماجي في هذا الفريق رأيت كأنني في داره، وقد نفحتني أنواره، فدخلت عليه، وجلست بين يديه، فرأيت عنده القطب الفاني في الله غوث بلادنا الأواه سيدي ومولاي فتح الله أمدنا الله برضاه لابسًا ملابسه المغربية وهي البُرنس والكرزية جالسًا بحضرته، فأقبلت عليهما، وسلّمتُ على كليهما، فضمَّني إليه مولاي المشار إليه، وأخذني وخرج، فناداه الأستاذ: إلى أين يا مولاي، وهذا ولدي معك؟ فالتفت إليه سيدي فتح الله، وقال له: يا سيدي، هذا ولدي؟ فقال له الأستاذ: هو ولدك وكررها ثلاثًا. فالحمد والمنة لله.

ومنها: رأيت أنني في الدار، فلاحت الأنوار عن سنا برقه الزاهر، فقبَّلتُ يديه، وقلت له: يا سيدي، يحب الفقير أن أكون في خاطركم. قال: يا ولدي، لا تقول تكون في خاطري، بل يكون الشيخ في خاطركم.

ومنها: أنني رأيت كأني في الزاوية الشاذلية، وهي على غير هيئتها المعهودة، وبها طنافس([30]) ممدودة، وخوان([31]) منشرةٌ، وأنوار تبدو للناظرين، وكان ذلك في عيد فطر المسلمين، فدخلت وقلبي ملهوف، وفؤادي لرؤيا الشيخ مشغوف، فأقبلت إليه، فوجدته وحوله الأحباب، وهو يتكلم في الروح وماهيتها، والعلوم ومنازلاتها، والأسرار ومحتوياتها، فأمدني بعطفه عليَّ، ونظر إليَّ نظرة الأب الشفوق، فحمدت الله، وأثنيت عليه.

ومنها: أنني رأيت أنني في داره، وهو جالس مكانه، فقلت له: يا سيدي، جاء الفقير مستأذنًا في الرحيل إلى بلاد الغرب. فأذن لي، وقال لي: سلم لي على عربي درقاوي وقته. فقلت: يا سيدي، ومن هو؟ وقد فهمت المقصود. قال لي: أنت عارف، فحمدت الله، وعلمت القصد والنية، وفهمت مراده، والذي أخبرني به هو مولانا الشيخ فتح الله البناني رضى الله عنه.

ومنها: ما أخبرني به أخونا في الله، ومحبنا من أجله مولاي السيد محمد عبد الحميد الحسيني قال لي: رأيت أنني دخلت إلى مسجد واسع عظيم، وقد فرشت أرضه بالبسط النفيسة، ورأيت أستاذنا ومولانا لابسًا تاجًا فوق رأسه، فقربني إليه، وأجلسني بين يديه، وسمعت قائلًا يقول: تهيؤوا يا كرام لحضور خير الأنام، كيما يصلي بكم إمام، وكان الجمع قد زاد، وكثرت الأولياء والعباد، وبعد تمام الصلاة قلت للحاضرين: من صلى بنا إمام؟ قيل: هو شيخنا الهمام، وقلت: ومن تعني به؟ قال: الشيخ العقاد. فسررت، وزادت الأمداد، وأيقنت بأنه هو حقًّا الإمام، وقائد الزمام، اللهم احشرنا في زمرته، واجعلنا من حزبه وأصحابه، وحقق نسبتنا إليه، بجاه النبيِّ عليه الصلاة والسلام.

ومنها: ما أخبرني به بعض الإخوان أصلح الله لي ولهم الشأن، أنه رأى مولانا الأستاذ فوق جبلٍ عالٍ، جالسًا في أعلاه، غارقًا في حضرة الله، وسيدي الحاج محمد حسن صالح تحت هذا الجبل، قائمًا في خدمته.

هذا ما شوهد في عالم الأرواح، وأما ما شوهد في عالم الأشباح فلا يحتاج إلى دليل، ويكفينا ما هو مشاهد من إشفاء المرضى، وقضاء حوائج المتعسرين، كما هو الحس المشاهد.

فمن كراماته رضي الله عنه وأرضاه قضاء مصالح الإخوان، وردع أهل الخذلان، بإقامة الدليل والبرهان، وكشف ما في خواطر الإخوان.

حدثني أحد المحبين في الله، الواصلين على يد هذا القطب الأواه، أنه تعسرت عليه أمور أشغلت فكره ولبَّه، فجاء إلى طندتا حيث مقر الأستاذ، وزار السيد أحمد البدوي رضى الله عنه، وولى خارجًا لزيارة الأستاذ، فلم يخرج من المقام إلا والأستاذ أمامه، فأقبل إليه وقال له: يا سيدي، الدعاء! بعد أن قبَّل يديه، قال له: حاجتك مقضية، اذهب من حيث أتيت. قال: فذهبت، وتعجّبتُ مما حصل من قضاء حاجتي في الحال، ومن كون الأستاذ أتاني في المقام الأحمدي، ولم أعهده يخرج من داره منذ نيف وعشرين سنة، والأولياء بأرواحهم حيث شاءوا، فسبحان من قربه إليه، وأنعم عليه، اللهم إنَّا نتوسل به إليك في دفع المُلمات، وتفريج الكُربات، والتحقق على آثاره. آمين يا رب العالمين.

وصاياه الجامعة وحكمه النافعة وكلامه في طريق أهل الله: اعلم أيها المريد السالك، إن رمتَ الوصول إلى مالك الممالك، فاقتد بطريق أهل الله، وتأدب بآدابهم، واعمل بنصائحهم، تفز بعناية الله، وأصغ بقلبك إلى ما أمليه عليك من كلام الأستاذ، ونصائحه، ووصاياه، وكلامه في طريق الخصوصية، لتكون من أهل هذه الطريقة السنية، أيد الله دولتها، وأعلى شأنها وكلمتها، بوجود الأعيان المغترفين من بحر سيد الأكوان، قال شيخنا رضى الله عنه:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد، فإلى حضرات إخواننا في الله تعالى بمصر، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إخواني:

خلق الله العالم، وأعطاهم قوة الفكر والنظر، ليتأملوا ويتبصروا فيما يوصلهم لسعادة الدارين، ولما كانوا كثيري الخطأ في النظر، أرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، حتى يتضح الرشد من الغيِّ، فنظر كل من صفت مرآة بصيرته في تلك الكتب. ولم يأل جهدًا حتى وصل إلى ضالته المنشودة، وغايته المطلوبة، الطريقة التي لو سلكها الشقيُّ لظهرت عليه أنوار السعادة. فالطريقة مأخوذة من الحضرة الإلهية بواسطة الذات المحمدية، فليس الطريق طريقي، ولا طريق غيري، وإنما هو وضع إلهي، أُنزل على سيد الخلق، وتناقله عنه أصحابه، ثم من بعدهم إلى أن وصل إلينا محفوظًا من أيدي العابثين، ومن إلحاد المبطلين الضالين. وبما أن أسلافنا ومشايخنا رضى الله عنهم، ما وصلوا إلى ما وصلوا إلا بالتمسك بأوثق الأسباب، والمحافظة على ما جاء به من الآداب، ولم يبالوا بتقديم ولا تأخير، فكان كبيرهم يجلس حيث انتهى به المجلس، ولا يري لنفسه ميزة على الصغير، وصغيرهم يحترم ويجلُّ الكبير. بذلك سادوا، وحازوا منتهى الفخار والكمال. هذا هو طريق القوم، كانوا منزهين عن الأغراض، منزهين عن الحقد، والحسد، والغيبة، والنميمة.

إخواني: ظهر أقوام ينتسبون إلى الطريق، وتقولوا فيه، وزادوا ونقصوا، وبدلوا من معالمه، فليسوا من أهل الطريق. والطريق برئٌ منهم. سمعنا بمن يدعي أنه رئيس، أو مفتش، أو غير ذلك من الدعاوى الباطلة، وبمن يطوف البلاد ويجوبها باسم الإخوان الشاذلية، ويتجول في أنحائها مُدَّعيًا أنه بذلك مأمور منا -الله حسبهم، وأسأل الله أن يرد عنا شرهم، ويجعل كيدهم في نحورهم، ويعضد هذه الدعوى- وبأنه تحصّل منا على إذن، كلا نحن لا نملك هذا الإذن، ولا نعرفه؛ لأنه مخالف لآدابنا، فكل من ادعى أنه اختص بمزية من المزايا فلا يقبل قوله، إلا إذا أبرز إذنًا منا كتابيًّا، مع العلم بأن أكبر المزايا التي اختص بها أهل هذا الطريق هو الكمال والأدب، والتخلق بخُلق المصطفى صلى الله عليه وسلم، والتباعد عن مواطن التهم. صاحب الطريق لا يتهم إلا نفسه، ولا يرى العيب في أخيه أبدًا، وإن بلغه شيء عنه يستره عليه، ولا يشيع السوء على غيره حقًّا كان أو باطلًا.

إخواني: ارتدعوا، تيقظوا، أتنتظرون مني أن أصرح لكم بأنكم محاربون للطريق وأهله، وأنكم سجلتم على أنفسكم عارًا بارتكابكم أمورًا في الطريق منكرةً؟ لو سطرت لضاق الصدر بها ذرعًا.

إخواني: اقبلوا نصيحتي، احذروا الانقسام، واخشوا عاقبته، وكونوا إخوانًا متحابين متساندين، يحب كل منكم لأخيه ما يحبه لنفسه، وليكن أمركم بينكم شورى، وأسأل الله من فضله، أن يصلح أحوالنا وأحوالكم، ويهدينا وإياكم إلى ما فيه رشدنا، ويوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، والسلام عليكم ورحمة الله.

القصائد التي مُدح بها شيخنا رضى الله عنه من الأحباب: اعلم أيها الأخ النافع، المستلذّ السامع بمناقب أهل الله، أن شيخنا وأستاذنا حجة العارفين، وقدوة الواصلين، زمزم الأسرار، ومنبع الأنوار، لا يلتفت ولا يهتم بمن مدحه بالقصائد أو باللسان؛ لاستغراقه في حضرة المنان، ولما قد ورد أن الكمل من أولياء الله لا يبالون بمن مدحهم أو ذمهم، فهم مع الله في كل نفس ولمحة وطرفة، لا يشهدون سواه لكمال استغراقهم في حضرة شهوده، وكثيرًا ما أرى منه -أمدنا الله بإمداداته، وسقانا فيوضاته. آمين- عدم ميله بمن يمدحه، وما رأيته يلتفت إلى ذلك لفنائه فيما هنالك، لا يرى لنفسه منزلة ولا قدرًا، ومع ذلك فالإخوان في حبه هائمون، وفي مدده يجولون، ولسان حالهم يتغزل بالقصائد والألحان، فينظموها كما الجواهر الحسان، فمن ذلك قول بعض السادة الإخوان، أصلح الله لي ولهم الشأن:

إلى كعبةِ الآمالِ هامتْ مطَّيتي  …… وفي رَحْلها قلبي وحسنُ طويَّتي([32])

فقلتُ لها روحي وروحي زمامها    …… وحيِّ بذاك الحيِّ حيّ التحيَّةِ

محمد العقاد شيخي وسيدي    …… ونوري وأُستاذي وقطبُ الأوينةِ

هلال على وادي اليقين ضياؤه    …… وشمسٌ على روضِ التُّقى والحقيقةِ

عليه سلامُ الله ما خطَّ كاتبٌ   …… وما زيَّنَ القِرطاسَ درُّ اليراعةِ([33])

ومن ذلك قولنا، وقد جادت القريحة بهذه الأبيات وهي تمثل أول ملاقاتي له، ورأيت منه ما لا   كره العين:

أما والمشعرين وبيت ربي   …… ورب البيت والسبع امثاني([34])

لقد جاد الزمان فليت شعري      …… إذا جاد الزمان بكل آن

وقد سالت دموعي مهيجات  …… بيوم تواصلي إذ كنت دانِ

وجاذبني إليه وقالَ أهلًا     …… وأروى مهجتي فغدوتُ فان

أسيف الله يا عقاد كنْ لي   …… فقد ضاقَ الزَّمانُ وما والاني

وأجذبني لأوج القُدس جَذبًا   …… فمثلُكَ ذو عوانٍ وامتنان

ألا يا خيرَ داعٍ نحو ربِّي    …… لقد نلنا بصحبتِكَ التَّهاني

سلوني عن إمامي بل وذُخري    …… كريم الأصل حامي الخافقين([35])

هو القطبُ الذي قد نالَ عزًّا    …… نبيلٌ سيِّدٌ في الله فان

هو الأستاذ والشيخ المربي    …… هو الشهم الغيورُ أبو المعاني

غيره:

مريدَ الشاذلي إنْ رمتَ وصلًا    …… فبادرْ للطريق تَر حلاه

فهذا الشاذلي أتانا نورًا    …… بدا في الكون أه لو تراه

فبالروح افتديه وآت شوقًا     …… فيا عزًّا لمن يدخل حماه

وتلك طريقة الفاسي حقًّا     …… ففي كلِّ البقاع تراه يا هو

وللعقاد حقًّا سرُّ فيها     …… فأشرْ بالسعود يا من تراه

يوصّلُ كلَّ من يأتيه حالًا     …… وينكشف الحجاب لمن أتاه

فإنَّا بالوصول إليه همنا     …… وغبنا حينَ غبنا عن سِواه

ترانا إن ذكرنا نحن جمعًا     …… من الأنوار شاهدنا حلاه

فمنَّا من يرى الأنوار جهرًا     …… فيحظى بالنعيم فيا مُناه

ومنا من بكأس الحبِّ أضحى     …… له نورٌ عجيبٌ لو تراه

ومنا من يغيبُ عن العيون     …… وهذا حال من يدخل حماه

فإن رمت السعادة فاتَّبعه      …… وقاطع كل من تهوى سواه

 

غيره:

أبدًا تحنُّ إليكم الأرواح    …… وحماكم للقاصدين مُباحُ

وعلى يديكم يا سراج الاتقيا     …… فتحًا قريبًا يفتح القتَّاحُ

ومريدكم قد خصَّ أشرف رتبة     …… وشذاكم فوق العُلا فيَّاحُ

ولكم حديثٌ في البقاع تواترتْ     …… أخباره يزهو مسا وصباحُ

يا سادة حازوا الفضائل كلَّها     …… يا نسل طه يا غذا الأرواح

ما الفضل يا عقاد إلا بحيكم    …… ولديكم الإسعادُ والإمناحُ

الله خصك بالمكارم والتُّقى     …… والنور يعلو من سناك مباحُ

إن شاهدتْ عيناك طلعة حسنه    …… لغدوت مسرورًا وفيك رباحُ

هذا طريقُ القوم فاقصدْ حيهم     …… فطريقهم للقاصدين مباحُ

بشيخنا العقاد تلقى تكرمًا     …… قطب الطريقة نورها الوضَّاحُ

من قد ترنمت الأنام بذكره     …… الله يحرسه مسا وصباحُ

([1])             المدرُ: المدن والقرى.

([2])                  سليمان بن موسى بن سالم بن حسان. الكلاعي الحميري، أبو الربيع: محدث الأندلس وبليغها في عصره، من أهل بلنسية، ولي قضاءها، وحمدت سيرته. ولد سنة 565 هـ وتوفي سنة 634 هـ [«الأعلام» (3/136)].

([3])             محمد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي بالولاء، المدني أبو عبد الله الواقدي: من أقدم المؤرخين في الإسلام وأشهرهم، ومن حفاظ الحديث، ولد بالمدينة سنة 130هـ، وكان حناطًا بها وضاعت ثروته، فانتقل إلى العراق في أيام الرشيد، فولي قضاء بغداد واستمر إلى أن توفي فيها سنة 207هـ. [«الأعلام» (6/311)، «تذكرة الحفاظ» (1/317)].

([4])                  شعيب بن عبد الله بن سعد بن عبد الكافي، أبو مدين، المعروف بالحريفيش، متصوف مصري من أهل القاهرة جاور بمكة، توفي سنة 810 هـ. [«الأعلام» (3/167)].

([5])              كتاب «الترغيب والترهيب» للحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري المتوفى سنة 656هـ وهو كتاب مطبوع.

([6])                  «الرسالة القشيرية في التصوف» لعبد الكريم بن هوازن القشيري، أبو القاسم الشافعي، توفي سنة 465هـ. [«كشف الظنون» (882)].

([7])             محمد (ظافر) بن محمد بن حسن بن حمزة ظافر الطرابلسي المغربي المدني: متصوف، من فقهاء المالكية. ولد في مسراته سنة 1244 هـ بالمغرب وسكن المدينة فنسب إليها، واستقر شيخًا لزاوية الشاذلية بالآستانة وتوفي بها سنة 1321هـ، له كتب منها: «الأنوار القدسية»، و«الرحلة الظافرية» وغير ذلك. [«الأعلام» (7/76)].

([8])                  السوس الأقصى: كورة مدينتها طرقلة [«معجم البلدان» (3/281)].

([9])              الدَّرقَةُ: ترسٌ من جلد ليس فيه خشب.

([10])                المنيفُ: العالي.

([11])            الفَاقَةُ: الفقر والحاجة.

([12])               النِّحْرِيرُ: العالم الحاذق في علمه.

([13])           الدُّهْنُ: ما يُدهن به زيت وغيره من الطيوب. الفتيلة: ذُبالةُ السراج.

([14])               الأَصِيلُ: هو وقت الغروب أو حين تصفر الشمس لمغربها.

([15])           القَرِيحَة: ملكة يستطيع بها الإنسان ابتداع الكلام وإبداء الرأي.

([16])               الجَذْبُ (عند الصوفية): حال من أحوال النفس يغيب فيها القلب عن علم ما يجري من أحوال الخلق، ويتصل فيها بالعالم العلوي.

([17])            صحيح: أخرجه البخاري (6018)، ومسلم (47)، وأبو داود (5154)، وابن ماجه (3971).

([18])                صحيح: أخرجه الترمذي (2317)، وابن ماجه (3976). صححه الألباني في «صحيح الجامع» رقم (5911).

([19])           الْقَلَنْسُوَةَ: لباس للرأس مختلف الأنواع والأشكال.

([20])               صحيح: انظر «صحيح الجامع» رقم (3124).

([21])           محمد بن أحمد بن محمد، أبو عبد الله، ميارة: فقيه مالكي من أهل فاس، ولد سنة 999هـ وتوفي سنة 1072هـ. [«الأعلام» (6/11، 12)].

([22])               عبد الواحد بن أحمد بن علي بن عاشر الأنصاري، فقيه، له نظم، أندلسي الأصل نشأ وتوفي بفاس سنة 1040هـ وكان مولد سنة 990هـ. [«الأعلام» (4/175)].

([23])          أحمد بابا بن أحمد بن عمر التكروري التنبكتي السوداني، أبو العباس، مؤرخ من أهل تنبكت بأفريقية، أصله من صنهاجة وكان عالمًا بالحديث والفقه، ولد سنة 963 هـ وتوفي سنة 1036هـ [«الأعلام» (1/102، 103)].

([24])             عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عطية المحاربي، من محارب قيس، الغرناطي، أبو محمد: مفسر فقيه أندلسي من أهل غرناطة، عارف بالأحكام والأحاديث له شعر. ولد سنة 481هـ وتوفي سنة 542هـ.     [«الأعلام» (3/282)، «كشف الظنون» (439)].

([25])         علي بن محمد بن إبراهيم الشيحي علاء الدين المعروف بالخازن، عالم بالتفسير والحديث، من فقهاء الشافعية. ولد ببغداد سنة 678 هـ وتوفي بحلب سنة 741 هـ. [«الأعلام» (5/5)، و«الدرر الكامنة» (3/97)].

([26])             كتاب «تفسير الجلالين»: جلال الدين محمد بن أحمد المحلي الشافعي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، وهو كتاب مطبوع.

([27])         النِّبْرَاسُ: المصباح.

([28])            المَلاذُ: الحصن والملجأ.

([29])        ضعيف: انظر «ضعيف الجامع» رقم (827).

([30])           الطنافس: (ج) الطَّنْفَسَةُ والطُّنْفُسَةُ والطِّنْفِسَةُ: البساط.

([31])        الْخِوُانُ: ما يوضع عليه الطعام ليؤكل أو ما يؤكل عليه.

([32])           المطيةُ: الدابة يركب ظهرها. الطَّوِيَّةُ: الضميرُ.

([33])        القرْطَاس: الصحيفة التي يكتب فيها. اليراعةُ: القلم الذي يتخذ من القصب.

([34])           الْمَشْعرُ: جبل في آخر المزدلفة. السبع المثاني: فاتحة الكتاب.

([35])           الخَافِقين: أفق المشرق، وأفق المغرب.

 

إترك تعليق

البريد الالكتروني الخاص بك لن يتم نشرة . حقل مطلوب *

*