مفهوم الطريقة لغة واصطلاحاً ونشأة الطرق الصوفية وتطورها

مفهوم الطريقة لغة واصطلاحاً ونشأة الطرق الصوفية وتطورها

مفهوم الطريقة :-

أذكر كثير من العلماء تعريفات متعددة للطريقة أذكر منها ما يلي :-

عرفت الطريقة لغة :-
بأنها” المنهج والمسلك ، ومنه مسلك الطائفة من المتصوفة ، والجمع طرق”.
وقيل إن الطريقة :-
هى السيرة والمذهب والطريق ” والطبقة ، والجمع طرائق. (مجمع اللغة العربية . المعجم الوسيط . دار الكتب المصرية ، القاهرة ، بدون تاريخ ، ج2 ص 576 .)
إن الطريقة كالطريق في الحسي : كالأخدود في الأرض ، ومنه قوله تعالى : ” ولقد أوحينا إلى موسى أن أسري بعبادي فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى ” (سورة طه – آية 77 )
والطريقة معنوياً : هي الحال والسيرة سواء كانت حسنة أو سيئة.
ومنها قوله تعالى : في قصة فرعون “وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمْ الْمُثْلَى” ( سورة طه – آية 63 ).
وقوله : ” وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا ” ( سورة الجن – آية 16 )

وقوله : ” ‏وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا‏” ( سورة الجن – آية 11 ).
قدداً:أى مذاهب وأقوالاً
ومن معاني الطريقة :-
الرجال الأشراف، ومن ذلك قولهم : طريقة القوم : أي أماثلهم وخيارهم ؛ أي الذين يجعلهم قومهم قدوة ويسلكون طريقتهم .

ومنه قوله تعالى : ” قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلي ” . (سورة طه – آية 63 ).

وقد فسرت الطريقة في هذه الآية الكريمة ” بجماعتهم الأشراف ” .

والطريقة في الإصلاح :-

لها معاني كثيرة ومتعددة ، ومختلفة أذكر منها ما يلي:-
(1) – الطريقة في إصلاح المحدثين :-
إن ” للطريق ” في إصلاح المحدثين مدلولين :
(1) – مدلول حسي
(2) – مدلول معنوي
استقاهما المحدثين من السنة النبوية المطهرة .

المدلول المادي الحسي للطريق :-

مثل : قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيما روي عن أبي سعيد الخدري ” رضي الله عنه ” عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” إياكم والجلوس في الطرقات ، فإن أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقه ، قالوا وما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال : غضُ البصر ، وكف الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ” ( أورده السيوطي ، الجامع الصغير ، ج10 ، ص 387 ، رقم 4440 أورده السيوطي في الجامع الصغير بلفظه وعزاه إلى الإمامين البخاري ومسلم في صحيحهما ،وأحمد في المسند وأبي داود في السنن من حديث أبي سعيد الخدري وصححه الألباني ).

(2) – المدلول المعنوي للطريق :-
مثل : ما ورد في رواية عن أبي هريرة – رضي الله عنه قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ” ما من رجل يسلك طريقاً يطلب فيه علماً إلا سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه ”
(أورده السيوطي في الجامع الصغير وزيادته ، ج1 / ص 1066 ، رقم 10653 ، وحققه الألباني)

(2) الطريقة في إصلاح الفلاسفة :-
” تعني المنهج والطريق الواضح المستقيم الذي يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى غاية معينة ”

الطريقة عند الصوفية
هي السيرة المختصة بالمتصوفة السالكين إلى الله فهي سفرٌ إلى الله والسالك أو المريد هو المسافر فعلى المسافر أن يسلك طريق القوم وأن يجتازها مرحلة بعد مرحلة . (أورده السيوطي في الجامع الصغير وزيادته ، ج1 / ص 1066 ، رقم 10653 ، وحققه الألباني)

ويقول صاحب كتاب ” ظهور الحقائق في بيان الطرائق “:-
الطريقة عند أهل الحقيقة عبارة عن مراسم الله تعالى وأحكامه التكليفية التي لا رخصة فيها ، وهي المختصة بالسالكين إلى الله تعالى مع قطع المنازل والترقي في المقامات ” .(عبد الله مولى عكاشة . ظهور الحقائق في بيان الطرائق ، دار الكتب ، القاهرة ، بدون تاريخ ، ص 17 ).
وقد اتخذت الطريقة مدلولاً خاصاً في أواخر القرن الثاني الهجري عند صوفية القرنين الثالث والرابع الهجريين .
فالطريقة عند الصوفية عبارة عن :- ” مجموعة الآداب والأخلاق والعقائد التي يتمسك بها طائفة الصوفية ” .

ويذكر القشيري : أن كلمة ” طريق ” بمعنى ” منهج الإرشاد النفسي والخُلُقِي الذي يربي به الشيخ المريد ” (عبد الله مولى عكاشة . المرجع نفسه . ص 18 ).

وللطريقة عن المحدثين من الفلاسفة صورتان :-

(1) أن تكون مبنية على أساس ومنهاج واضح :
ومحدد من قبل يوضح القواعد التي يجب إتباعها ومواطن الإخفاق التي يجب الحيطة منها ، للوصول للغاية المرجوة ( المبتغاة ) .
وهي الطريقة التي اتخذها ( ديكارت ) منهاجاً لحياته في سبيل الارتقاء بمعرفته تدريجياً حتى وصل إلى أعلى درجة سمح بها عقله .

والطريقة بهذا المفهوم: تنطبق على ممارسة بعض الأساليب التقنية أو التجريبية في بعض العلوم والفنون ، كالطريقة العلمية المتبعة في حل جملة رياضية عدد حدودها أكبر من عدد معادلاتها ، أو طريقة المرايا المتحركة لقياس الزوايا ، أو طريقة تعليم اللغات الأجنبية بالوسائل السمعية والبصرية ، أو طريقة تعليم العزف على إحدى الآلات الموسيقية.

(2) أن تكون الطريقة غير محددة مسبقاً :

كترتيب الأفكار واندماجها مع بعضها البعض في صورة متسلسلة ومنسقة ، ولكنها تختلف باختلاف الموضوع واختلاف الأشخاص تبعاً لتجاربهم وعاداتهم ، حتى أننا نلحظ أن من لم يتعلم قواعد المنطق بإمكانه أن يرتب أفكاره ترتيباً متزناً وموضوعياً بصورة أفضل من الذين تعلموا قواعد المنطق .
(جميل صليبا . المعجم الفلسفي . دار الكتب ، القاهرة ، بدون تاريخ ، ج2 ، ص ص 2- 21)

(3) الطريقة في اصطلاح المتصوفة :-
الطريقة عبارة عن : ” مراسم الله تعالى ، وأحكامه التكليفية المشروعة التي لا رخصة فيها ، فإن تَتَبُع الرخص سبب لتنفيس الطبيعة المقتضية للوقفة والفترة في الطريق ” . (الجرجاني . التعريفات ،مصدر سابق ،ص 41 ، عبد الله مولى عكاشة . ظهور الحقائق في بيان الطرائق ، دار الكتب ، القاهرة ، بدون تاريخ ، ص 17 ).

إذن فالطريقة هي ” السيرة المختصة بالسالكين إلى الله من قطع المنازل والترقي في المقامات ” .( الجرجانى ،التعريفات، مصدر سبق ، ص 18 )

أما الإمام أبو حامد الغزالي – رحمه الله تعالى (المتوفى 505هـ) : ” فيرى أن طريق الصوفية عبارة عن تقديم المجاهدة ومحو الصفات المذمومة وقطع العلائق كلها ، والإقبال بكله بلهفة على الله تعالى .
ومتى حصل ذلك كان الله هو المتولي لقلب عبده ، والمتكلف له بتنويره بأنوار العلم . وإذا تولى فاضت عليه الرحمة وأشرق النور في القلب ، وانشرح الصدر ، وانكشف له سر الملكوت ، وانقشع عن وجه القلب حجاب العزة بلطف الرحمة ، وتلألأت فيه حقائق الأمور الإلهية . (الغزالي . إحياء علوم الدين .دار الكتب المصرية ، القاهرة ، بدون تاريخ ، ج3 ، ص 18، ص 45. )

وخلاصة القول : فالطريقة عند الصوفية هي عبارة عن مجموعة مراسيم تعبدية ، وطقوس دينية وحياة روحية تمارسها الجماعات الإسلامية المختلفة كل على مذهبه أى ( طريقته ) بهدف الوصول إلى معرفة الله معرفة صحيحة .
والطريقة : هي أحدى المصادر المهمة التي غذت التكايا في الأناضول في عهد السلاجقة وظهر تأثيرها على المجتمع التركي (هدي درويش .( مقالة ) مجلة التصوف الإسلامي . العدد 278 ، القاهرة 24 صفر 1423 ، مايو 2002 م ، ص 30 ، 31 .)

ومما سبق يتضح أن :-
الطريقة عند الصوفية والتي تعني السبيل ،فالطريقة عندهم ” هي السيرة المختصة بالمتصوفة السالكين الى الله فهي سفر الى الله ، والسالك او المريد هو المسافر فعلى المسافر اأن يسلك طريق القوم وان يجتازها مرحلة بعد مرحلة ” . (على سالم عمار . ابو الحسن الشاذلي . دار الكتب ، القاهرة ، بدون تاريخ ، ج2 ، ص 24 )
قد أخذت معنيين اصطلاحين متعانقين في التصوف الإسلامي فهي في القرنين ” الثالث والرابع الهجري ” عبارة عن منهج النفس الأخلاقي ”
وهي أيضاً عبارة عن : ” مجموعة الآداب والأخلاق والعقائد الني يتمسك بها طائفة الصوفية ” .
ويذكر القشيري : أن كلمة طريق بمعنى منهج الإرشاد النفسي والخُلُقِي الذي يربي به الشيخ المريد” .
وهي في القرن ” الخامس الهجري ” :- أصبحت عبارة عن جملة مراسم التنوير الروحي المعمول به من اجل المعايشة الأخوية المختلفة القائمة على الرعاية الإسلامية ” .

” نشــــــــأة الطرق الصوفية وتطورها ”

إن نشأة الطرق الصوفية لم تكن وليدة العصر السلجوقي أو العثماني . بل إن لها جذور تاريخية عميقة تمتد إلى عصر النبوة المحمدية ، فقد كان القرآن الكريم سباقاً في هذا المجال حيث ورد فيه الكثير والكثير من الآيات التي تتحدث عن التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل والزهد في الدنيا لنرقى بالروح فتحلق في ملكوت المحبة الإلهية ، وهذا هو هدف التصوف والغاية منه .
وكذلك ذكر القرآن الكريم العديد والعديد من الآيات والقصص التي تتحدث عن الطرق فمثلاً : الأقوام الذين اتبعوا طريق الرشد فلحوا ونجوا كقوم “يونس” عليه السلام الذين اتبعوا نبيهم فسعدوا في الدنيا والآخرة . وغيرهم من الأقوام الذين اتبعوا طريق الغى والتكبر والجحود ، فكانت عاقبتهم سيئة وحلٌ بهم العقاب في الدنيا والعذاب في الآخرة ، كقوم صالح وقوم عاد ، وقوم فرعون وغيرهم .

* مادة الطريق في القرآن الكريم :-

نجد القرآن الكريم قد تحدث عن ( مادة الطريق ) وعن مدلوله .( السيد محمد عقيل . دراسة في الطرق الصوفية . دار الحديث ، القاهرة ، بدون تاريخ ، ط2 ص ص 8- 10)

(1) فـ ( مادة الطريق ) : هي ورود لفظ الطريق ، مفرد أو جمع في العديد من الآيات أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر .
قوله تعالى : ” إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا”، (سورة النساء – الآية 168 ).
وقوله تعالى : ” قالوا يا قَومَنا إِنّا سَمِعنا كِتابًا أُنزِلَ مِن بَعدِ موسىٰ مُصَدِّقًا لِما بَينَ يَدَيهِ يَهدي إِلَى الحَقِّ وَإِلىٰ طَريقٍ مُستَقيمٍ ” (سورة الأحقاف – الآية 30 ).

وقوله تعالى : “‏وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا ‏”( سورة الجن-الآية 11 ).

(2) مدلوله : وهو ” ورود ” مدلول ” كلمة الطريق : – أي أن السياق للكلام يدل على معنى كلمة الطريق
مثل قوله تعالى : ” إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا” (سورة الإنسان – الآية 3) .

وقوله تعالى : ” أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ . وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ . وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ”
( سورة البلد – الآية 8 ، 9، 10 )

* مادة الطريق في السنة النبوية المطهرة :
وكذلك فقد زخرت السنة النبوية المشرفة باحتوائها على مادة ” الطريق ” كمنهج سنة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) .

*” فقد كان الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) يقوم بتوضيح القرآن الكريم من خلال ثلاثة طرق تمثل في مجموعها ” أنواع السُنة النبوية “وهي :

(1) الطريق بالقول : ” وهو ما يعرف بالسُنة القولية ”
وهو عبارة عن توضيح النبي صلى الله عليه وسلم لأي مشكلة أو موضوع بالكلمة أو بالتعبير بشكل مباشر . وهذا الكلام هو ما عرف بالحديث النبوي الشريف ، وبمرور الوقت اشتغل العلماء بتفسير وتوضيح الأحاديث النبوية الشريفة .

(2) الطريق الفعلي : هذا الطريق يكون :
بتوضيح وتفسير النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على شكل التصرف والفعل ، أي قيام الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بفعل يكون الهدف منه هو توضيح مشكلة أو توضيح لأي سؤال يتبادر إلى الذهن ويطلق على هذا الطريق ” السُّنَة الفعلية ” .

(3) الطريق التقريري :
هذا الطريق هو السير على نهج النبي (صلى الله عليه وسلم) وعدم إعاقة أي عمل أو قول كان معترف به عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وعدم مخالفة الأحكام الواردة في القرآن الكريم ويُطلق على هذا الطريق ( السُنة التقريرية): هي إقرار النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لبعض تصرفات الصحابة ، واجتهادهم في بعض شئون العبادة ، فكان يقرهم على فعلهم إما بالقول بأن يقول ” أصبت ” وغيره ، وإما بالسكوت وعدم الرفض ، فسكوته ( صلى الله عليه وسلم ) كان موافقه .

أي ما أقر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قول أو فعل لأحد صحابته الكرام .
وخلاصة الكلام سالف الذكر :-
أن الله تعالى أَنزَلَ على سيدنا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) القرآن الكريم بواسطة جبريل (عليه السلام) وظل الرسول (صلى الله عليه وسلم) طوال ثلاثة وعشرين سنة يشتغلُ بتفسير وتوضيح آيات الذكر الحكيم سواء عن طريق الأحاديث النبوية الشريفة أو عن طريق الفعل أو التقرير، وكانت كلها نماذج معاشه وأصبحت فيما بعد نماذج نقتدي ونحتذي بها في حياتنا.
( أد / باشا نوري اوذتوك – الطرق الكبرى ،1986 ،ص 6 )

إترك تعليق

البريد الالكتروني الخاص بك لن يتم نشرة . حقل مطلوب *

*