الأصناف الثمانية الذين تصرف إليهم الزكاة

الأصناف الثمانية الذين تصرف إليهم الزكاة

مصارف الزكاة

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه الطيبين الطاهرين، وبعد:

مصارف الزكاة هي الجهات التي تصرف إليها الزكاة، وهي في الشرع الإسلامي محددة بأدلة من الكتاب والسنة والإجماع. وقد ورد في حديث معاذ: «تؤخذ من أغنيائهم، فنرد في فقرائهم» وتدفع الزكاة إلى الأصناف الثمانية وقد بينت هذه الأصناف في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [9:60]

 

 

مصارف الزكاة:

الفقير: من لا مال له ولا كسب يقع موقعا من حاجته ولا يمنع الفقر مسكنه وثيابه وماله الغائب في مرحلتين والمؤجل وكسب لا يليق به ولو اشتغل بعلم والكسب يمنعه ففقير ولو اشتغل بالنوافل فلا ولا يشترط فيه الزمانة ولا التعفف عن المسألة على الجديد والمكفي بنفقة قريب أو زوج ليس فقيرا في الأصح.

والمسكين من قدر على مال أو كسب يقع موقعا من كفايته ولا يكفيه

قال النووي: «الفقير أشد حالا من المسكين، هذا هو الصحيح، وعكسه أبو إسحاق المروزي».[1]

 

المسكين: وهو الذي يملك ما يقع موقعا من كفايته ولا يكفيه، بأن احتاج إلى عشرة وعنده سبعة أو ثمانية، وفي معناه من يقدر على كسب ما يقع موقعا، ولا يكفي، وسواء كان ما يملكه من المال نصابا أو أقل أو أكثر ولا يعتبر في المسكين السؤال، قطع به أكثر الأصحاب، ومنهم من نقل عن القديم اعتباره.

وعرفه النووي بأنه هو الذي يملك ما يقع موقعا من كفايته ولا يكفيه، بأن احتاج إلى عشرة وعنده سبعة أو ثمانية، وفي معناه من يقدر على كسب ما يقع موقعا، ولا يكفي، وسواء كان ما يملكه من المال نصابا أو أقل أو أكثر ولا يعتبر في المسكين السؤال، قطع به أكثر الأصحاب، ومنهم من نقل عن القديم اعتباره.

** الفرق بين الفقير والمسكين:

يشترك الفقير والمسكين، في أن كلاهما صاحب حاجة للمال، قال الطبري: «”المسكنة” مصدر “المسكين” يقال: “ما فيهم أسكن من فلان وما كان مسكينا ولقد تمسكن مسكنة، ومن العرب من يقول: “تمسكن تمسكنا”، والمسكنة في هذا الموضع مسكنة الفاقة والحاجة، وهي خشوعها وذلها».[2]

قال ابن منظور: عن الأصمعي أنه قال: «المسكين أحسن حالا من الفقير، وإليه ذهب أحمد بن عبيد، قال: وهو القول الصحيح عندنا لأن الله تعالى قال: أما السفينة فكانت لمساكين، فأخبر أنهم مساكين وأن لهم سفينة تساوي جملة ، وقال : للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا فهذه الحال التي أخبر بها عن الفقراء هي دون الحال التي أخبر بها عن المساكين. قال ابن بري: وإلى هذا القول ذهب علي بن حمزة الأصبهاني اللغوي، ويرى أنه الصواب وما سواه خطأ، واستدل على ذلك بقوله: مسكينا ذا متربة فأكد عز وجل سوء حاله بصفة الفقير لأن المتربة الفقر، ولا يؤكد الشيء إلا بما هو أوكد منه ، واستدل على ذلك بقوله عز وجل: أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر، فأثبت أن لهم سفينة يعملون عليها في البحر».[3]

** الفقراء والمساكين في القرآن والسنة:

الفقراء والمساكين صنفان من الأصناف الثمانية، الذين تدفع إليهم الزكاة وكلاهما يأخذ لحاجته إلى مؤنة نفسه والفقراء أشد حاجة لأن الله تعالى بدأ بهم والعرب إنما تبدأ بالأهم فالأهم ولأن الله تعالى قال: ﴿أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر﴾، فأخبر أن لهم سفينة يعملون بها ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من الفقر وقال: «اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين». رواه الترمذي فدل على أن الفقراء أشد فالفقير من ليس له ما يقع موقعا من كفايته من مكسب ولا غيره والمسكين الذي له ذلك فيعطى كل واحد منهما ما تتم به كفايته.[4]

والفقير وهو الذي لا مال له ولا كسب، يقع موقعا من حاجته، فالذي لا يقع موقعا، كمن يحتاج عشرة ولا يملك إلا درهمين أو ثلاثة، فلا يسلبه ذلك اسم الفقير. قال ابن كثير في تفسير قول الله تعالى: ﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين..﴾«وإنما قدم الفقراء هاهنا لأنهم أحوج من البقية على المشهور لشدة فاقتهم وحاجتهم وعند أبي حنيفة أن المسكين أسوأ حالا من الفقير، وهو كما قال قال ابن جرير: حدثني يعقوب، حدثنا ابن علية أنبأنا ابن عون عن محمد قال: قال عمر رضي الله عنه: الفقير ليس بالذي لا مال له، ولكن الفقير الأخلق الكسب. قال ابن علية: الأخلق المحارف عندنا.

والجمهور على خلافه. وروي عن ابن عباس، ومجاهد، والحسن البصري وابن زيد، واختار ابن جرير وغير واحد أن الفقير: هو المتعفف الذي لا يسأل الناس شيئا، والمسكين: هو الذي يسأل ويطوف ويتبع الناس.

وقال قتادة: الفقير: من به زمانة، والمسكين: الصحيح الجسم. وقال الثوري، عن منصور عن إبراهيم: هم فقراء المهاجرين قال سفيان الثوري: يعني ولا يعطى الأعراب منها شيئا».[5]

 

 

عامل الزكاة

العامل على الزكاة هو الذي يتولى القيام بالعمل على الزكاة، بحسب نوع العمل، مثل: الجابي أو الساعي في جمع مال الزكاة، أو الكاتب، من يقوم بحصر أموال الزكاة، أو الخرص، والتقييد، أو الحساب، أو الصرف للمستحقين، أو غير ذلك مما يحتاج إلى عمل، ويعد عامل الزكاة أحد الأصناف الثمانية المخصوصون باستحقاق الأخذ من الزكاة، وهم: (العاملون عليها)، المذكورون في القرآن الكريم بقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [9:60]. ويعطى العامل قسطا من مال الزكاة مقابل عمله، وهو عبارة عن أجرة يأخذ مقابل عمله على الزكاة، وتقدر بقدر عمله، سواء كان غنيا أو فقيرا، ولا يأخذ من مال الزكاة إلا أجرة عمله، وليس له قبول الهدية ممن ولي عليهم بتحصيل مال الزكاة منهم، أو صرفه لهم؛ للنهي عن ذلك.

قال النووي: «ويجب على الإمام أن يبعث السعاة لأخذ الصدقة؛ لأن النبي  والخلفاء من بعده كانوا يبعثون السعاة؛ ولأن في الناس من يملك المال ولا يعرف ما يجب عليه، ومنهم من يبخل، فوجب أن يبعث من يأخذ». وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على ذلك، منها حديث: «عن أبي هريرة أن رسول الله  بعث: عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الصدقة»،[6] وحديث: «عن سهل بن سعد أن رسول الله  استعمل ابن اللتبية على الصدقات».[7]

** شروط العامل على الزكاة:

يشترط في عامل الزكاة أن يكون مسلما حرا عدلا؛ لأن العمل على الزكاة ولاية وأمانة، وأن يكون فقيها في أبواب الزكاة؛ لأنه يحتاج إلى معرفة ما يؤخذ وما لا يؤخذ ويحتاج إلى الاجتهاد فيما يعرض من مسائل الزكاة وأحكامها، ولا يشترط فقهه في غير ذلك. قال النووي: «واتفقوا على أن يشترط فيه كونه مسلما حرا عدلا فقيها في أبواب الزكاة ولا يشترط فقهه في غير ذلك، قال أصحابنا: هذا إذا كان التفويض للعامل عاما في الصدقات، فأما إذا عين له الإمام شيئا معينا يأخذه فلا يعتبر فيه الفقه. قال الماوردي في الأحكام السلطانية: وكذا لا يعتبر في هذا المعين الإسلام والحرية؛ لأنه رسالة لا ولاية، وهذا الذي قاله من عدم اشتراط الإسلام مشكل والمختار اشتراطه».[8]

«ولا يبعث هاشميا ولا مطلبيا، ومن أصحابنا من قال: يجوز لأن ما يأخذه على وجه العوض، والمذهب الأول؛ لما روي «أن الفضل بن العباس رضي الله عنهما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يوليه العمالة على الصدقة فلم يوله وقال: أليس في خمس الخمس ما يغنيكم عن أوساخ الناس؟» «عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب قال: أتيت أنا والفضل بن العباس رسول الله  فسألناه أن يؤمرنا على بعض الصدقات فنؤدي إليه كما يؤدي الناس ونصيب كما يصيبون، فسكت طويلا ثم قال: إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس»[9] وفي رواية لمسلم: «إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد»

وفي مواليهم وجهان: أحدهما لا يجوز لما روى أبو رافع قال: «ولى رسول الله  رجلا من بني مخزوم على الصدقة فقال: اتبعني تصب منها، فقلت: حتى أسأل رسول الله ، فسألته فقال لي: إن مولى القوم من أنفسهم، وإنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة».

والثاني يجوز لأن الصدقة إنما حرمت على بني هاشم وبني المطلب للشرف بالنسب، وهذا لا يوجد في مواليهم، وهو بالخيار بين أن يستأجر العامل بأجرة معلومة ثم يعطيه ذلك من الزكاة وبين أن يبعثه من غير شرط ثم يعطيه أجرة المثل من الزكاة».

** فضل العمل على الزكاة:

«عن رافع بن خديج قال سمعت رسول الله  يقول: العامل على الصدقة بالحق كالغازي في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته».

«حدثنا أبو أسامة عن يزيد بن عبيد الله بن أبي بردة عن جده عن أبي موسى قال قال رسول الله : إن الخازن الأمين الذي يعطي ما أمر به كاملا موفرا طيبة به نفسه حين يدفعه إلى الذي أمر به أحد المتصدقين».

«حدثنا غندر عن شعبة عن الحكم عن الحسن بن مسلم المكي قال بعث عمر بن الخطاب رجلا من ثقيف على الصدقة فرآه بعد ذلك اليوم فقال ألا أراك ذلك كأجر الغازي في سبيل الله».

«حدثنا أبو أسامة ووكيع عن سفيان عن زياد بن أبي عثمان عن ثابت عن الحسن قال من دفعت إليه الصدقة فوضعها مواضعها فله أجر صاحبها».[10]

 

** المؤلفة قلوبهم:

«والمؤلفة من أسلم ونيته ضعيفة أوله شرف يتوقع بإعطائه إسلام غيره والمذهب أنهم يعطون من الزكاة».[11]

اختلف في بقاء المؤلفة قلوبهم، فمنهم من قال: هم زائلون، قاله جماعة، وأخذ به مالك.

ومنهم من قال: هم باقون؛ لأن الإمام ربما احتاج أن يستأنف على الإسلام، وقد قطعهم عمر لما رأى من إعزاز الدين.

والذي عندي: أنه إن قوي الإسلام زالوا وإن احتيج إليهم أعطوا سهمهم، كما كان يعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن الصحيح قد روي فيه: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ»[12]

 

**أقسام المؤلفة قلوبهم:

من يعطى ليسلم، كما أعطى النبي   صفوان بن أمية من غنائم حنين، وقد كان شهدها مشركا قال: فلم يزل يعطيني حتى صار أحب الناس إلي بعد أن كان أبغض الناس إلي، كما قال الإمام أحمد:

حدثنا زكريا بن عدي، أنا ابن المبارك عن يونس عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن صفوان بن أمية قال: أعطاني رسول الله  يوم حنين وإنه لأبغض الناس إلي، فما زال يعطيني حتى صار وإنه لأحب الناس إلي”

ورواه مسلم والترمذي من حديث يونس عن الزهري به

ومنهم من يعطى ليحسن إسلامه، ويثبت قلبه، كما أعطى يوم حنين أيضا جماعة من صناديد الطلقاء وأشرافهم مائة من الإبل، مائة من الإبل وقال: إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه، مخافة أن يكبه الله على وجهه في نار جهنم.

وفي الصحيحين عن أبي سعيد: أن عليا بعث إلى النبي  بذهيبة في تربتها من اليمن فقسمها بين أربعة نفر: الأقرع بن حابس، وعيينة بن بدر، وعلقمة بن علاثة، وزيد الخير، وقال: أتألفهم.

ومنهم من يعطى لما يرجى من إسلام نظرائه. ومنهم من يعطى ليجبي الصدقات ممن يليه، أو ليدفع عن حوزة المسلمين الضرر من أطراف البلاد.

 

المراجع:

 

  1. روضة الطالبين وعمدة المفتين
  2. تفسير ابن كثير
  3. منهاج الطالبين للنووي
  4. أحكام القرآن لابن العربي
  5. لسان العرب لابن منظور
  6. ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [9:60]
  7. تفسير الطبري
  8. لسان العرب لابن منظور
  9. الكافي في فقه الإمام أحمد
  10. تفسير ابن كثير
  11. أخرجه البخاري ومسلم
  12. رواه البخاري ومسلم
  13. المجموع للنووي
  14. رواه مسلم
  15. المصنف لابن أبي شيبة

 

 

إترك تعليق

البريد الالكتروني الخاص بك لن يتم نشرة . حقل مطلوب *

*