حُبُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآل بيته الكرام فرض واجب على جميع الأمة

حُبُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآل بيته الكرام فرض واجب على جميع الأمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

روى الإمام البخاري في صحيحه (1/ 12/15)من حديث أَنَسٍ بن مالك رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ».

*** حُبُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآل بيته الكرام فرض واجب على جميع الأمة؛ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد النبي وأزواجه أمهات المومنين وذريته وآل بيته كما صليت على آل سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد عدد خلقك وزنة عرشك ورضى نفسك ومداد كلماتك.

*** لقد وردت أحاديث كثيرة تبين فضل أهل البيت عموماً ومنها:

1- روى الحاكم بإسناده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده لا يبغضنَّ أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار” 1.

2- وروى الإمام مسلم في صحيحه بإسناده إلى يزيد بن حيان قال: “انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا ابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما حدثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلفونيه ثم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خمّاً بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: “أما بعد ألا يا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به” فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: “وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي” فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس قال: كل هؤلاء حرم الصدقة قال: نعم”.

وفي رواية أخرى عن يزيد بن حيان قال: دخلنا عليه فقلنا له: لقد رأيت خيراً لقد صاحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصليت خلفه وساق الحديث غير أنه قال ” ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله ـ عز وجل ـ هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة” وفيه فقلنا: من أهل بيته نساؤه قال: لا وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده”2.

قال ابن كثير: “هكذا وقع في هذه الرواية والأولى أولى والأخذ بها أحرى وهذه الثانية تحتمل أنه أراد تفسير الأهل المذكورين في الحديث … إنما المراد بهم آله الذين حرموا الصدقة، أو أنه ليس المراد بالأهل الأزواج فقط بل هم مع آله وهذا الاحتمال أرجح جمعاً بينها وبين الرواية التي قبلها”أ.هـ3.

وقال النووي مبيناً وجه الجمع بين الروايتين: “فهاتان الروايتان ظاهرهما التناقض والمعروف في معظم الروايات في غير مسلم أنه قال: نساؤه لسن من أهل بيته فتتأول الرواية الأولى على أن المراد أنهن من أهل بيته الذين يساكنونه ويعولهم وأمر باحترامهم وإكرامهم وسماهم ثقلا ووعظ في حقوقهم وذكر فنساؤه داخلات في هذا كله ولا يدخلن فيمن حرم الصدقة وقد أشار إلى هذا في الرواية الأولى بقوله: “نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة فاتفقت الروايتان”أ.هـ4.

وقال القرطبي موضحاً كيفية القيام بوصية النبي صلى الله عليه وسلم تجاه أهل بيته فقال: “وهذه الوصية وهذا التأكيد العظيم يقتضي وجوب احترام أهله وإبرارهم وتوقيرهم ومحبتهم وجوب الفروض المؤكدة التي لا عذر لأحد في التخلف عنها هذا مع ما علم من خصوصيتهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأنهم جزء منه فإنهم أصوله التي نشأ عنها وفروعه نشأوا عنه كما قال: “فاطمة بضعة مني…” 5.

فحديث زيد بن أرقم المتقدم تضمن فضيلة أهل بيته عليه الصلاة والسلام من الصحابة حيث قرن الوصية بهم مع وصيته بالالتزام والتمسك بكتاب الله الذي فيه الهدى والنور، فجعله عليه الصلاة والسلام أهل بيته ثقلا دليل واضح على عظم حقهم وارتفاع شأنهم وعلو منزلتهم.

ومعنى: التمسك بالكتاب امتثال ما أمر الله به فيه واجتناب ما نهى عنه قولا وعملاً ومعنى التمسك ـ بأهل بيته ـ محبتهم والمحافظة على حرمتهم والعمل بروايتهم الصحيحة والاهتداء بهديهم وسيرتهم إذا لم يكن في ذلك مخالفة للدين6.

ولكن تخصيص يزيد في هذا الحديث لآل البيت بأنهم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس ليس على سبيل الحصر فقد روى مسلم في حديث طويل بإسناده إلى الزهري أن عبد الله بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب حدثه وفيه أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث والفضل بن عباس انطلقا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريدان منه أن يوليهما على بعض الصدقة قال أحدهما: “فلما صلى رسول الله الظهر سبقناه إلى الحجرة فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا ثم قال: “أخرجا ما تصرران ” ثم دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ عند زينب بنت جحش قال: “فتواكلنا الكلام، ثم تكلم أحدنا فقال: يا رسول الله أنت أبر الناس وأوصل الناس وقد بلغنا الحلم فجئنا لتأمرنا على بعض هذه الصدقات فنؤدي إليك كما يؤدي الناس ونصيب كما يصيبون قال: فسكت طويلاً حتى أردنا أن نكلمه قال: وجعلت زينب تلمع7 علينا من وراء الحجاب أن لا تكلما قال: ثم قال : “إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس” 8 ادعوا لي محمية وكان على الخمس ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب قال: فجاءه فقال لمحمية: “أنكح هذا الغلام ابنتك” للفضل بن عباس فأنكحه وقال لنوفل بن الحارث: “أنكح هذا الغلام ابنتك” “لي” فأنكحني: وقال لمحمية: أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا “قال الزهري: ولم يسمه لي”9.

فدل هذا الحديث على تحريم الصدقة على جميع بني هاشم وليس الحال كما ورد عن زيد بن أرقم أن الذين تحرم عليهم الصدقة هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس فهذا عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه ممن تحرم عليه الصدقة وليس هو من المذكورين الذين ذكرهم زيد بن أرقم رضي الله عنه والذي يظهر من هذا أن زيداً لم يرد حصر بني هاشم فيمن ذكرهم.

فأهل البيت يشمل من حرم الصدقة عليهم وهم بنو هاشم فيشمل آل العباس وآل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل الحارث فإن كل هؤلاء يحرم عليهم الصدقة كما يشمل أهل البيت أزواجه صلى الله عليه وسلم , المطهرات رضوان الله عليهم أجمعين ,كما سبق بيان ذلك .

3- وروى الحاكم بإسناده إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يا بني عبد المطلب إني سألت الله لكم ثلاثاً أن يثبت قائمكم وأن يهدي ضالكم وأن يعلم جاهلكم وسألت الله أن يجعلكم جوداء نجداء رحماء فلو أن رجلاً صفن10 بين الركن والمقام فصلى وصام ثم لقي الله وهو مبغض لأهل بيت محمد دخل النار”11 .

* هذا الحديث تضمن ثلاث مناقب لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهي واضحة كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم كما تضمن الحديث أن مبغضهم من أهل النار والعياذ بالله فالواجب على المسلم أن يحبهم ويبعد نفسه عن بغضهم.

4- حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على حبهم وجعل محبتهم دليلاً على محبته عليه الصلاة والسلام فقد روى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي” 12.

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم :”وأحبوا أهل بيتي لحبي” أي: إنما تحبونهم لأني أحببتهم بحب الله تعالى لهم وقد يكون أمراً بحبهم لأن محبتهم لهم تصديق لمحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم13.

وقد فهم وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل بيته حق فهمها أبو بكر الصديق رضي الله عنه حيث دعا الناس إلى إكرامهم واحترامهم ومحبتهم.

5- فقد روى البخاري بإسناده إلى أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: “أرقبوا محمداً في أهل بيته”14.

هذا خطاب من الصديق رضي الله عنه ووصية منه لكافة أمة محمد ببيت النبوة “والمراقبة للشيء المحافظة عليه ومعنى قول الصديق احفظوه فيهم فلا تؤذوهم ولا تسيئوا إليهم”15.

قال النووي رحمه الله تعالى: “معنى “ارقبوا” راعوه واحترموه وأكرموه”16.

6- وروى البخاري بإسناده إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: “…والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي17.

ففي قول الصديق هذا بيان فضل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم والحث على إكرامهم واحترامهم ولقد بين رضي الله عنه بقوله هذا والذي قبله ما يجب أن يكون المسلم عليه من الاعتقاد السليم تجاه أهل البيت رضي الله عنهم من حيث مراعاتهم وإكرامهم واحترامهم ومحبتهم فالواجب على كل مسلم أن يسلم بما أثبته الله تعالى من الفضل العام لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأن يقدرهم حق قدرهم ويكن لهم الاحترام والتوقير والإكرام والإعظام وأن يحفظ فيهم وصية النبي صلى الله عليه وسلم حيث وصى بمراعاتهم والإحسان إليهم ويبتعد عما يكون سبباً في الإساءة إليهم وأن يعلم أن محبتهم حب للنبي صلى الله عليه وسلم وبغضهم ذنب عظيم فيجب على المسلم ألا يكون في قلبه محل لذلك وكذلك سائر الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.

__________

1ـ المستدرك 3/150 وقال عقبه: “هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه” وسكت عنه الذهبي في تلخيصه وأورده في سير أعلام النبلاء 2/123.

2ـ الحديثان في صحيح مسلم 4/1873-1874.

3ـ تفسير القرآن العظيم 5/457-458.

4ـ شرح النووي على صحيح مسلم 15/180-181.

5ـ ذكره عنه المناوي في كتابه “فيض القدير” 3/14-15.

6ـ انظر تحفة الأحوذي 10/288، وانظر فيض القدير للمناوي 3/15.

7- تلمع: أي: تشير بيدها “النهاية” 4/271.

8- أوساخ الناس: أي: أنها تطهير لأموالهم ونفوسهم كما قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} فهي كغسالة الأوساخ.

9- صحيح مسلم 2/752-753.

10ـ صفن: أي قائم انظر “النهاية في غريب الحديث” 3/39.

11ـ المستدرك 3/148-149 ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وأقره الذهبي.

12ـ المصدر السابق 3/150 ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

13ـ فيض القدير للمناوي 1/178.

14ـ صحيح البخاري 2/302.

15ـ انظر فتح الباري 7/79، عمدة القاريء 16/222-223.

16ـ رياض الصالحين ص/171.

17ـ صحيح البخاري 2/301.

إترك تعليق

البريد الالكتروني الخاص بك لن يتم نشرة . حقل مطلوب *

*