مصارف الزكاة وفي الرقاب

مصارف الزكاة وفي الرقاب

مصارف الزكاة

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه الطيبين الطاهرين، وبعد:

**في الرقاب**

 

في الرقاب: فك الرقاب أو الصدقة في الرقاب والرقاب جمع رقبة، ومعناها في الشرع الإسلامي: الرقيق (العبد المملوك)، وقد حث الدين الإسلامي على عتق الرقاب، والمعونة في فكها من العبودية، ودفع الصدقة في فك الرقبة أحد الأصناف الثمانية في مصارف الزكاة، والرقاب المكاتبون، أو العتق استقلالا.

** فك الرقاب في الإسلام:

حث الدين الإسلامي على فك الرقبة أي: عتق العبد المملوك (الرقيق)، وشرع ما يؤدي إلى ذلك، بالكفارات، ودفع قسط من مال الزكاة في فك الرقاب، وفي الحديث: «عن البراء بن عازب قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله! دلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار، فقال: “أعتق النسمة وفك الرقبة” فقال: يا رسول الله! أوليسا واحدا؟ قال: لا، عتق النسمة أن تفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في ثمنها». المسند

** الصدقة في الرقاب:

يدفع من مال الزكاة قسطا في فك الرقاب، وهو أحد مصارف الزكاة الثمانية المذكورون في قوله تعالى: ﴿وفي الرقاب﴾[1] والرقاب هم المكاتبون، وهو قول الشافعي والليث، وعن أبي موسى الأشعري نحو هذا، والمكاتب هو الرقيق الذي كاتبه مالكه على العتق، مقابل دفع عوض، قال الله تعالى: ﴿فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً﴾

وعن الحسن البصري، ومقاتل بن حيان، وعمر بن عبد العزيز، وسعيد بن جبير، والنخعي، والزهري، وابن زيد أنهم المكاتبون، ويدل على ذلك حديث: «عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي  قال: “ثلاثة حق على الله عونهم: الغازي في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف».[2]

القول الثاني

أن فكاك الرقاب أعم من أن يعطى المكاتب، أو يشتري رقبة فيعتقها استقلالا، وهو مذهب مالك بن أنس وأحمد وإسحاق، قال ابن عباس، والحسن: “لا بأس أن تعتق الرقبة من الزكاة”.

وقد ورد في ثواب الإعتاق وفك الرقبة أحاديث كثيرة. وأن الله يعتق بكل عضو منها عضوا من معتقها حتى الفرج بالفرج، وما ذاك إلا لأن الجزاء من جنس العمل، ﴿وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [37:39].

«يشتري الإمام الرقاب من الزكاة فيعتقها عن المسلمين، والولاء لجميعهم، قال ابن القاسم: ولا يجري فيها إلا ما يجري في الرقاب الواجبة، خلافا لابن حبيب في الأعمى والأعرج والمقعد، وقال ابن وهب: هو فكاك المكاتبين، قال محمد: يعطي مكاتبه من زكاته ما لم يتم به عتقه، وفي قطاعة مدبره ما يعتق به، وهما لا يجزئان في الواجب».

** معنى الآية:

قوله تعالى: وفي الرقاب اجتمع فيه العرف الشرعي واللغة في عرف الشرع: الرقيق الكامل الرق والذات؛ لأنه تعالى أطلق الرقبة في الظهار والقتل ولم يرد بها إلا ذلك.

في اللغة: تصدق على الأحرار والعبيد ومن كمل ومن نقص، فالمشهور قدم العرف الشرعي، وهو المشهور في أصول الفقه بأنه ناسخ للغة، ومن لاحظ اللغة لكونها الحقيقة، وغيرها مجاز أجاز المكاتب والمدبر والمعيب والأسير وعتق الإنسان عن نفسه، وإن كان الولاء له دون المسلمين، فلأن مقصود الزكاة إنما هو شكر النعمة وسد الخلة، وهذا حاصل، والولاء للمعتق، فإن حق المسلمين إنما يتعين في بيت المال، وكذلك سائر مصارف الزكاة لا يعم منها شيء للمسلمين، وقياسا على الرقاب في غير الزكاة، فإنه يجزئ والولاء للمعتق.

 

** الغارمين**

الغارم في اللغة: من عليه دين، وفي الحديث: لا تحل المسألة إلا لذي غرم مفظع أي ذي: حاجة لازمة من غرامة مثقلة.[3] وفي الزكاة أحد الأصناف الثمانية، وهو: من عليه دين عجز عن الوفاء به، إما أن يكون استدانه لمباح وعجز عن قضائه، أو تحمل حمالة، لإصلاح بين الناس، أو كان ضامنا، وعجز عن دفع مالزمه، فيعطى من مال الزكاة، ما يفي بما عليه لغرمائه.

قال النووي «الأصح يعطي إذا تاب والأظهر اشتراط حاجته دون حلول الدين، قلت: الأصح اشتراط حلوله والله أعلم أو لإصلاح ذات البين أعطى مع الغنى وقيل: إن كان غنيا بنقد فلا».

** تعريف الغارم:

الغارم في اللغة: من عليه دين، وفي الحديث: «أعوذ بك من المأثم والمغرم» قال ابن منظور: وهو مصدر وضع موضع الاسم، ويريد به مغرم الذنوب والمعاصي، وقيل: المغرم كالغرم وهو الدين، ويريد به ما استدين فيما يكرهه الله أو فيما يجوز ثم عجز عن أدائه، فأما دين احتاج إليه وهو قادر على أدائه فلا يستعاذ منه. وقوله عز وجل: ﴿والغارمين وفي سبيل الله﴾ قال الزجاج: الغارمون هم الذين لزمهم الدين في الحمالة، وقيل: هم الذين لزمهم الدين في غير معصية. والغرامة: ما يلزم أداؤه، وكذلك المغرم والغرم، وقد غرم الرجل الدية، وأنشد ابن بري في الغرامة للشاعر:

دار ابن عمك بعتها تقضي بها عنك الغرامه

والغريم: الذي له الدين والذي عليه الدين جميعا، والجمع غرماء قال كثير:

قضى كل ذي دين فوفى غريمه وعزة ممطول معنى غريمها

.

وفي الحديث: الدين مقضي والزعيم غارم لأنه لازم لما زعم أي كفل أو الكفيل لازم لأداء ما كفله مغرمه

وفي حديث آخر: الزعيم غارم الزعيم الكفيل والغارم الذي يلتزم ما ضمنه وتكفل به.

وفي حديث جابر: فاشتد عليه بعض غرامه في التقاضي قال ابن الأثير: جمع غريم كالغرماء وهم أصحاب الدين، قال: وهو جمع غريب، وقد تكرر ذلك في الحديث مفردا ومجموعا وتصريفا. والغرام: اللازم من العذاب والشر الدائم والبلاء والحب والعشق وما لا يستطاع أن يتفصى منه

وقال الزجاج: هو أشد العذاب في اللغة قال الله عز وجل: ﴿إن عذابها كان غراما﴾.[4]

** الأحكام الفقهية:

والغارمون «صنف دانوا في مصلحتهم أو معروف وغير معصية، ثم عجزوا عن أداء ذلك في العرض والنقد فيعطون في غرمهم لعجزهم، فإن كانت لهم عروض يقضون منها ديونهم فهم أغنياء لا يعطون حتى يبرءوا من الدين، ثم لا يبقى لهم ما يكونون به أغنياء،

وصنف دانوا في صلاح ذات بين ومعروف ولهم عروض تحمل حمالاتهم أو عامتها وإن بيعت أضر ذلك بهم وإن لم يفتقروا فيعطى هؤلاء وتوفر عروضهم كما يعطى أهل الحاجة من الغارمين حتى يقضوا سهمهم».[5]

«هو من ادان في غير سفه ولا فساد، ولا يجد وفاء أو معهم أموال لا تفي ديونهم، فيعطون من الزكاة قضاء ديونهم. وفي الدفع لمن ادان في سفه ثم نزع عنه خلاف، وفي دينه لله تعالى كالكفارات والزكوات التي فرط فيها خلاف».[6]

«قال أبو الوليد: ويجب أن يكون الغارم بحيث ينجبر حاله بأخذ الزكاة ويفسد بتركها بأن تكون له أصول يستغلها فيلجئه الدين إلى بيعها فيفسد حاله فيؤدي ذلك من الزكاة، وأما إن كان يتدين أموال الناس ليكون غارما فلا؛ لأن الدفع يديمه على عادته الردية، والمنع يردعه، قال سند: من تداين لفساد ثم حسنت حاله دفعت إليه، وقال ابن المواز: لا يقضى منها دين الميت خلافا لابن حبيب».

«قال أبو الطاهر في نظائره: وشروط الغارم أربعة:

  • أن لا يكون عنده ما يقضي بها دينه
  • وأن يكون الدين لآدمي
  • وأن يكون مما يحسن فيه
  • وأن لا يكون استدانه في فساد».

**أقسام الغارمين:

  • من تحمل حمالة
  • ضمن دينا فلزمه، فأجحف بماله
  • غرم في أداء دينه أو في معصية ثم تاب

** الدفع للغارمين:

«عن قبيصة بن مخارق الهلالي قال: تحملت حمالة، فأتيت رسول الله  أسأله فيها، فقال: أقم حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها، قال: ثم قال: يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها، ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال: سدادا من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه، فيقولون: لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة، حتى يصيب قواما من عيش -أو قال: سدادا من عيش- فما سواهن من المسألة سحت، يأكلها صاحبها سحتا». رواه مسلم

«عن أبي سعيد قال: أصيب رجل في عهد رسول الله  في ثمار ابتاعها، فكثر دينه، فقال النبي  تصدقوا عليه، فتصدق الناس فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال النبي  لغرمائه: خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك».[7]

«وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الصمد، أنبأنا صدقة بن موسى عن أبي عمران الجوني، عن قيس بن زيد عن قاضي المصرين عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله بصاحب الدين يوم القيامة حتى يوقف بين يديه، فيقول: يا ابن آدم، فيم أخذت هذا الدين؟ وفيم ضيعت حقوق الناس؟ فيقول: يا رب، إنك تعلم أني أخذته فلم آكل ولم أشرب ولم أضيع، ولكن أتى على يدي إما حرق وإما سرق وإما وضيعة، فيقول الله: صدق عبدي، أنا أحق من قضى عنك اليوم، فيدعو الله بشيء فيضعه في كفة ميزانه، فترجح حسناته على سيئاته، فيدخل الجنة بفضل الله ورحمته».[8]

 

*** في سبيل الله ***

السبيل في اللغة: الطريق وما وضح منه، وسبيل الله طريق الهدى الذي دعا إليه، والإنفاق في سبيل الله، بذل النفقة في وجوه الخير، وفي قول الله تعالى: ﴿وفي سبيل الله وابن السبيل﴾[1] يقصد به أحد مصارف الزكاة الثمانية وهو ﴿وفي سبيل الله﴾ أي: للغزاة، أو ما يشمل وجوه الخير.

*** الإنفاق في سبيل الله:

الإنفاق في سبيل الله هو: بذل الخير ابتغاء مرضاة الله، وهو من أسباب مضاعفة الأجر، قال الله تعالى:﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [2:261]
وفسر قول الله تعالى: ﴿وأنفقوا في سبيل الله﴾ بمعنى: الإنفاق في وجوه الخير، قال ابن منظور «في الجهاد وكل ما أمر الله به من الخير فهو من سبيل الله أي من الطرق إلى الله واستعمل السبيل في الجهاد أكثر؛ لأنه السبيل الذي يقاتل فيه على عقد الدين، وقوله: ﴿في سبيل الله﴾ أريد به الذي يريد الغزو ولا يجد ما يبلغه مغزاه، فيعطى من سهمه، وكل سبيل أريد به الله عز وجل، وهو بر فهو داخل في سبيل الله».[9]

ويطلق أيضا بمعنى: التصدق بعمل تحبيس المال (الوقف) على جهة خير، قال ابن منظور: «وإذا حبس الرجل عقدة له وسبل ثمرها أو غلتها فإنه يسلك بما سبل سبيل الخير يعطى منه ابن السبيل والفقير والمجاهد وغيرهم. وسبل ضيعته: جعلها في سبيل الله، وفي حديث وقف عمر: احبس أصلها وسبل ثمرتها أي: اجعلها وقفا وأبح ثمرتها لمن وقفتها عليه، وسبلت الشيء إذا أبحته كأنك جعلت إليه طريقا مطروقة».[10] قال ابن الأثير: «وقد تكرر في الحديث ذكر سبيل الله، وابن السبيل، والسبيل في الأصل الطريق، والتأنيث فيها أغلب. قال: وسبيل الله عام يقع على كل عمل خالص سلك به طريق التقرب إلى الله تعالى بأداء الفرائض والنوافل وأنواع التطوعات، وإذا أطلق فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه».

**ابن السبيل**

ابن السبيل منشىء سفر أو مجتاز، وشرطه الحاجة وعدم المعصية.

ابن السبيل: وهو المسافر المجتاز في بلد ليس معه شيء يستعين به على سفره، فيعطى من الصدقات ما يكفيه إلى بلده وإن كان له مال وهكذا الحكم فيمن أراد إنشاء سفر من بلده وليس معه شيء، فيعطى من مال الزكاة كفايته في ذهابه وإيابه.

 

شروط:

وشرط آخذ الزكاة من هذه الأصناف الثمانية الإسلام وأن لا يكون هاشميا ولا مطلبيا وكذا مولاهم في الأصح.

المراجع:

  1. ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [9:60]
  2. رواه الإمام أحمد وأهل السنن إلا أبا داود
  • لسان العرب لابن منظور
  • لسان العرب لابن منظور
  1. الحاوي الكبير
  2. الذخيرة
  3. رواه مسلم
  • تفسير ابن كثير
  • لسان العرب لابن منظور
  1. لسان العرب لابن منظور

إترك تعليق

البريد الالكتروني الخاص بك لن يتم نشرة . حقل مطلوب *

*