نظام الزكاة في الإسلام

نظام الزكاة في الإسلام

نظام الزكاة في الإسلام

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه الطيبين الطاهرين، وبعد:

نظام الزكاة في الإسلام:

تتميز الزكاة في التشريع الإسلامي عن الزكاة في تشريعات الأمم السابقة في أنها نظام متكامل بقانون محكم، تعجز النظم الوضعية عن محاكاة أسرار تفوقه، واستقلاله المالي والإداري. وتتعدد أشكال التنظيم لمؤسسات الزكاة وتطبيقاتها في الدول الإسلامية على اختلاف مسمياتها باختلاف البلدان، كما تتفاوت درجة الاهتمام الرسمي في التطبيق. تعد الزكاة نظاما إلاهيا متكاملا من جميع الجوانب، وعاملا اقتصاديا مهما، يهدف إلى محاربة الفقر والبطالة وكفالة اليتيم وإغناء السائل والمحروم ومعونة ذوي الحاجات، ومعالجة المشكلات الاقتصادية. وتطبيق هذا النظام بشكل متكامل كفيل بتحقيق نهضة اقتصادية شاملة. فالزكاة ليست مجرد إحسان بدفع مبلغ من المال، بل هي تنظيم اقتصادي واجتماعي لتطبيق فريضة الزكاة وأدائها، وإحياء فريضة الزكاة وتنظيم جمعها وتوزيعها، وبيان الأحكام والشروط المتعلقة بها وبمقاديرها ومستحقيها اعتمادا على الكتاب والسنة. وصلاح أمور الأمة الإسلامية ووحدتها وانتصارها، لايتم ولايكون إلا بما بدئ به أمرها، من إقامة الدين، والعمل بشرع الله، وتطبيق نظام الزكاة بشكل كامل ومتوازن، والعناية بهذه الفريضة وتنظيم أمر جمعها وصرفها، لتحقيق المقصد من فرضها وتشريعها، فالزكاة فريضة شرعية فرضها الله وجعل المقصود منها صلاح أمور البلاد والعباد.

ويقوم نظام الزكاة وفقا للنصوص الشرعية، ويتم تنظيمه من خلال فصل مال الزكاة عن خزينة الدولة، وتنظيم الجهة المستحقة، وعمل إحصائيات شاملة، والاستفادة من تجارب الدول الإسلامية في مجال الإدارة والتطبيق، حتى تتفادى السلبيات والأخطاء. ولا يتم نظام الزكاة إلا بتأدية الحق المفروض كاملا، وفي الحديث: «أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو بكر رضي الله عنه “والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله  لقاتلتهم على منعها”. قال عمر رضي الله عنه: “فما هو إلا أن رأيت أن الله شرح صدر أبي بكر رضي الله عنه بالقتال فعرفت أنه الحق”.»[1] والتنظيم الصحيح للزكاة يقوم على أساس القضاء على نسبة كبيرة من الاحتياجات المتكررة، ويبدء ذلك من خلال عمل حصر دقيق وشامل لجميع المستحقين للزكاة في المنطقة، وتحديد مستويات حاجاتهم، وليس المقصود من دفع الزكاة للمستفيدين صرف مبالغ مالية محددة؛ لأن ذلك يؤدي إلى تكرر الحاجة، أي: أن المبلغ الذي حصل عليه المستفيد سينتفع به مدة يسيرة ثم يعود إلى ما كان عليه من الحاجة إلى مال الزكاة مرة أخرى، وهذه الطريقة غير صحيحة، بل يتم فحص حالته وتحديد قدر ما يسد حاجته بصورة غير متكررة، فيبحث عامل الزكاة عن سبب حاجته، فمثلا: شخص قدر عليه فقد مصدر رزقه، فأصبح معدما لا يحتاج سوى رأس مال للحصول على ما يكتسب منه، فيعطى من مال الزكاة ما يفي بذلك، فإن كانت مهنته في معمل أو في بيع السلع أو غير ذلك؛ أعطي رأس مال لشراء ما يكتسب منه بما يناسبه وتقضى به حاجته، ولن يكون بحاجة للزكاة في المرات القادمة. ويمكن إيجاد حلول مناسبة لذوي الاحتياجات الخاصة، ومعالجة ظاهرة التسول.

أدلة فرض الزكاة:

أدلة فرض الزكاة في الشرع الإسلامي هي النصوص الشرعية الدالة على فرضيتها بالإجماع، والأصل في وجوب الزكاة قبل الإجماع أدلة من نصوص الكتاب والسنة، وردت في مواضع متعددة، فهي مفروضة بإجماع المسلمين، ودليل فرضها نصوص الكتاب أي: القرآن؛ لأنه المصدر الأول لتشريع الأحكام، ونصوص السنة النبوية؛ لأن السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن، والأخذ بما جاء فيها حتمي فهي بيان للقرآن، ودليل من أدلة الشرع الإسلامي. ودليل الإجماع بمعنى: اتفاق علماء الشرع على فرض الزكاة، وأن ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة من فرضها مجمع عليه عند المسلمين. وذكر الكاساني: الدليل على فرض الزكاة الكتاب والسنة والإجماع والمعقول، بمعنى: أن إيتاء الزكاة عون للضعيف، وإقدار العاجز وتقويته على أداء ما افترض الله عز وجل عليه من التوحيد والعبادات والوسيلة إلى المفروض مفروض، كما أن إيتاء الزكاة شكر لنعمة الله، وشكر النعمة واجب.[2] الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام الخمسة، وهي مفروضة بإجماع المسلمين، واقترنت الزكاة بالصلاة في القرآن في اثنين وثمانين آية، وهذا يدل على أن التعاقب بينهما في غاية الوكادة والنهاية كما في المناقب البزازية. وفرضت الزكاة في السنة الثانية من الهجرة بعد زكاة الفطر.[3] ودلت على فرضها آيات، فعلى القول بأنها مكية (نزلت بمكة قبل الهجرة)؛ اعتبر أنها فرضت بمكة، لكن يمكن حمل هذا القول على أنها فرضت قبل الهجرة على سبيل الإجمال. قال البهوتي: وفرضت بالمدينة كما ذكر صاحب المغني والمحرر والشيخ تقي الدين قال: ولعل المراد طلبها وبعث السعاة لقبضها فهذا بالمدينة، وقال الحافظ شرف الدين الدمياطي: إنها فرضت في السنة الثانية من الهجرة، بعد زكاة الفطر بدليل قول قيس بن سعد بن عبادة: “أمرنا النبي  بزكاة الفطر قبل نزول آية الزكوات”[4] وفي منع الزكاة إثم كبير، ومانع الزكاة الذي يكنز المال ولا ينفق المفروض عليه إنفاقه في سبيل الله، فقد جاء في شأنه التهديد والوعيد الشديد بالعذاب، بقول الله في القرآن: ﴿والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون.﴾ وكنز المال بمعنى: الاحتفاظ به وعدم الانفاق منه، والكنز هو: المال الذي لا تؤدى زكاته.[5] التوبة 34 و35 والبخل عدم إيتاء الزكاة، قال تعالى:  وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ   قال الشافعي: «فأبان الله عز وجل في هاتين الآيتين فرض الزكاة؛ لأنه إنما عاقب على منع ما أوجب، وأبان أن في الذهب، والفضة الزكاة. قول الله عز وجل: ﴿ولا ينفقونها في سبيل الله﴾ يعني والله تعالى أعلم في سبيله الذي فرض من الزكاة وغيرها».[6] فقد ألحق الوعيد الشديد بمن كنز الذهب والفضة ولم ينفقها في سبيل الله ولا يكون ذلك إلا بترك الفرض.[2]

 

أدلة الزكاة من القرآن:

هناك الكثير من النصوص القرآنية الدالة على فرض الزكاة ذكرت في مواضع متعددة من القرآن الكريم منها قول الله تعالى:  وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ   وقد ذكر في غير موضع من القرآن لفظ: ﴿وَآتُواْ الزَّكَاةَ﴾ بصيغة الأمر الدال على فرض الزكاة، مثل: قوله تعالى: ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُواْ الصلاة وَءَاتُواْ الزكاة﴾. وقال تعالى في سورة المعارج:  وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ  لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ   والحق المعلوم بمعنى: اللازم إخراجه من المال حتما، بقدر معلوم، والسائل هو الذي يسأل من المتصدقين التصدق عليه، والمحروم الذي ليس له ما يسد حاجته. ومعنى: ﴿في أموالهم حق معلوم﴾ فسره العلماء بأن الحق المعلوم هو: الزكاة، أو: الزكاة المفروضة.[7] وقوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُواْ الصلاة وَءَاتُواْ الزكاة وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ﴾ قال الطبري: إيتاء الزكاة: إعطاؤها بطيب نفس على ما فرضت ووجبت. ومهما تعملوا من عمل صالح في أيام حياتكم، فتقدموه قبل وفاتكم ذخرا لأنفسكم في معادكم، تجدوا ثوابه عند ربكم يوم القيامة، فيجازيكم به. والخير هو العمل الذي يرضاه الله. وإنما قال: تجدوه، والمعنى: تجدوا ثوابه.[8] وإقامة الصلوات كفارة للذنوب، وإيتاء الزكاة تطهير للنفوس والأبدان من أدناس الآثام، وفي تقديم الخيرات إدراك الفوز برضوان الله.[9] قال تعالى: ﴿وَأَقِيمُواْ الصلاة وَءَاتُواْ الزكاة وَأَقْرِضُواْ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ وقال تعالى: ﴿وَأَقِمْنَ الصلاة وَءَاتِينَ الزكاة وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾. ذكر القرطبي في تفسير قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُواْ الصلاة وَءَاتُواْ الزكاة﴾ أن إيتاء الزكاة بمعنى: الإعطاء للزكاة المفروضة عليهم، وهو قول أكثر العلماء؛ لاقترانها بالصلاة.[10] [11] فالزكاة حق فرضه الله على الأغنياء، ومستحقه هم ذوو الحاجة. وذكر في القرآن: ﴿وآتوا حقه يوم حصاده.﴾ أي: الزكاة الواجبة في الزروع والثمار. وقال تعالى:  قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ  الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ  وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ  وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ   فإيتاء الزكاة من سمات المؤمنين، وهو سبب للفلاح، وهو من الأعمال الصالحة التي يزداد بها المؤمن إيمانا. وقال تعالى:  إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ

أدلة الزكاة من السنة النبوية:

ذكر الرواة في كتب الحديث أدلة كثيرة تدل على فرض الزكاة، ومنها الحديث الذي دل على أهمية الزكاة في الإسلام، حيث يعد إيتاء الزكاة ثالث أركان الإسلام الخمسة، ونص الحديث: «عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله  يقول: “بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً”».[12] وللبخاري بلفظ: وصوم رمضان والحج[13] وقد روى البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنهما-  قال: «بعث رسول الله  معاذ بن جبل إلى اليمن..» وفي الحديث أنه أمره أولا بدعوة أهل اليمن إلى توحيد الله، والإيمان به، من آمن بالله وأسلم له فسيطيع الله ورسوله ويعمل بشرع الله. ثم بين له أنهم إن آمنوا فعليه أن يبلغهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوا وأقاموا الصلاة فعليه أن يبلغهم أن الله فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم. ونص الحديث: «عن يحيى بن محمد بن عبد الله بن صيفي أنه سمع أبا معبد مولى ابن عباس – رضي الله عنهما-  يقول: سمعت ابن عباس – رضي الله عنهما-  يقول: لما بعث النبي  معاذ بن جبل إلى نحو أهل اليمن قال له: إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم، فإذا أقروا بذلك فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس.»[14] «وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال عام حجة الوداع: اعبدوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وحجوا بيت ربكم، وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم تدخلوا جنة ربكم». روى البيهقي في السنن الكبرى حديث: «عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه -يعني شدقيه- ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك، ثم تلا هذه الآية: ﴿ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة﴾»[14][15]وروى البيهقي حديث: «عن عبد الله بن مسعود يقول: سمعت رسول الله  يقول: «ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع يفر منه وهو يتبعه حتى يطوقه في عنقه»، ثم قرأ علينا رسول الله : ﴿ سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة﴾».[16]

 

** منع الزكاة:

منع الزكاة بمعنى: “عدم دفع الحق المالي الواجب إخراجه، عند استيفاء شروط وجوب الزكاة”. والمقصود من إيتاء الزكاة: صرفها في مصارفها، ويمكن للمزكي دفعها للمستحقين، أو تسليمها للجهة المختصة في الدولة، لتتولى صرفها، وإذا طلبها السلطان؛ لزم دفعها إليه. ويختلف حكم منع الزكاة باختلاف الأحوال، والأسباب المقترنة به، فلا بد من أن يكون الشخص مسلما، من أهل وجوب الزكاة، وأن يمنع دفع حق لازم، وألا يكون له مبرر شرعي؛ لذا يطلب الاستفصال، واستبيان السبب، فقد يكون المنع للزكاة بسبب الجهل بالأحكام الشرعية، أو التلاعب أو غير ذلك، فلا يحكم عليه إلا بعد تبين الحال. كما أن إيتاء الزكاة لا بد وأن يكون مبنيا على الصدق والثقة. وإذا وجبت الزكاة على المزكي وطلبها منه عامل الزكاة المكلف من الجهة المختصة في الدولة لزمه دفع الزكاة إليه، فإذا امتنع من دفعها طلب منه معرفة أسباب منعه للزكاة، فإذا تبين أنه ليس له عذر شرعي، وإنما منعها بخلا واحتفاظا بالمال بدون أي مبرر فهو بذلك مانع للزكاة، ويمكن للحاكم الشرعي أخذ الواجب عليه منه ولو بالقوة ودفعها لذوي الاستحقاق. روى مسلم بسنده حديث: «عن أبي هريرة قال: بعث رسول الله  عمر على الصدقة فقيل منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس عم رسول الله  فقال رسول الله : «ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله، وأما خالد؛ فإنكم تظلمون خالدا قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله، وأما العباس فهي علي ومثلها معها»، ثم قال: «يا عمر! أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه؟.»» ومعنى: «عم الرجل صنو أبيه.» أي مثل أبيه، وفيه تعظيم حق العم. وقد تضمن هذا الحديث أن الزكاة طلبت من ثلاثة أشخاص، وكان ظاهر الأمر أنهم منعوا أداء ما عليهم من الزكاة، ولكن الحقيقة بخلافه، إذ أن الحكم على الأشياء لا يكون إلا بعد الاستبيان ومعرفة الأسباب. وأول الثلاثة: ابن جميل، وقد بين في الحديث أنه لا عذر له في منع الزكاة، إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله. والثاني: خالد ابن الوليد، قال النووي: أنهم طلبوا منه دفع زكاة أعتاده ودروعه ظنا منهم أنها للتجارة، وأن الزكاة فيها واجبة، فقال لهم: لا زكاة لكم علي. فلم يدفع لهم شيئا، فكان رده: بأنه لا يلزمه زكاة، وقد جاء في الحديث بيان الحكم، وهو أن خالد بن الوليد كان على حق، وأنه ليس مانعا للزكاة، وأن الزكاة غير واجبة عليه في أدرعه وعتاده؛ لأنه احتبسها في سبيل الله، أي: أنه وقفها في سبيل الله، والمال الموقوف في جهة عامة لا تجب فيه الزكاة، فالزكاة غير واجبة عليه أصلا في ماله الذي وقفه في سبيل الله. وأما الثالث؛ فهو العباس بن عبد المطلب، فقد طلب منه دفع الزكاة فقال: إنه لا زكاة عليه بحجة أنه قد دفع ما عليه، وقد بين في الحديث أنه على حق فيما قاله، وأنه ليس مانعا للزكاة؛ لأنه قد دفع ما عليه من قبل، حيث أنه تعجل دفع زكاة عامين. قال النووي: «ومعنى الحديث: أنهم طلبوا من خالد زكاة أعتاده ظنا منهم أنها للتجارة، وأن الزكاة فيها واجبة، فقال لهم: لا زكاة لكم علي، فقالوا للنبي : إن خالدا منع الزكاة، فقال لهم: إنكم تظلمونه؛ لأنه حبسها ووقفها في سبيل الله قبل الحول عليها، فلا زكاة فيها. ويحتمل أن يكون المراد: لو وجبت عليه زكاة لأعطاها ولم يشح بها؛ لأنه قد وقف أمواله لله تعالى متبرعا فكيف يشح بواجب عليه؟ وقوله: : «هي علي ومثلها معها» معناه: أني تسلفت منه زكاة عامين، والصواب أن معناه: تعجلتها منه، وقد جاء في حديث آخر في غير مسلم إنا تعجلنا منه صدقة عامين.» وقال القاضي عياض: «لكن ظاهر الأحاديث في الصحيحين أنها في الزكاة لقوله: بعث رسول الله  عمر على الصدقة، وإنما كان يبعث في الفريضة.» قال النووي: «الصحيح المشهور أن هذا كان في الزكاة لا في صدقة التطوع، وعلى هذا قال أصحابنا وغيرهم.»

 

 

المراجع:

  1. فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، كتاب الزكاة، باب أخذ العناق في الصدقة، رقم: (1388)، دارالريان للتراث سنة: 1407 هـ/ 1986 م.
  2. كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع. أبو بكر الكاساني كتاب الزكاة. ج2 ص2و3، دار الكتب العلمية 1406 هـ/ 1986م ط2
  3. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، محمد بن شهاب الدين الرملي، كتاب الزكاة، ج3 ص44 دار الفكر، 1404 هـ/ 1984 م، الطبعة أخيرة.
  • كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس البهوتي كتاب الزكاة، ج2 ص166، دار الفكر، 11402 هـ/ 1982 م.
  • تفسير الطبري ص217 إلى 229. ج14 دار المعارف
  • كتاب الأم للشافعي- كتاب الزكاة، ج2 ص3، دار المعرفة، 1410 هـ/ 1990 م رقم الطبعة: د.ط
  • المصنف لابن أبي شيبة، كتاب الزكاة، ج3 ص92 دار الفكر، 1414 هـ/ 1994 م.
  • تفسير الطبري، سورة البقرة، القول في تأويل قوله تعالى: “وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة. .” ج2 ص505 دار المعارف.
  1. تفسير الطبري، سورة البقرة، ج2 ص506 دار المعارف.
  2. تفسير القرطبي، سورة البقرة، ج1 ص322و 323 دار الفكر
  3. ج1 ص322 القرطبي
  4. رواه مسلم كتاب الإيمان باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام رقم16 شرح النووي ص146
  5. البخاري 8- الإيمان باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس وصوم رمضان والحج.
  6. فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني، كتاب التوحيد، رقم الحديث: (6937) ص361، دار الريان 1407 هـ/ 1986 م
  7. أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، وقال: رواه البخاري في الصحيح عن علي ابن المديني، ورواه مالك عن عبد الله بن دينار موقوفا، وروي عن ابن مسعود، عن النبي  مرفوعا.
  8. السنن الكبرى للبيهقي -باب ما ورد من الوعيد فيمن كنز مال زكاة ولم يؤد زكاته- رقم: 7058، ج4 ص81

 

إترك تعليق

البريد الالكتروني الخاص بك لن يتم نشرة . حقل مطلوب *

*