الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام

الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام

الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام

 

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه الطيبين الطاهرين، وبعد:

 

الزكاة في اللغة بمعنى: النماء والزيادة والبركة والمدح والثناء والصلاح وصفوة الشيء، والطهارة حسية أو معنوية، وبمعنى: زكاة المال.[1] وتطلق الزكاة على ما ينفقه المتصدق من مال.

والزَّكاةُ في الإسلام: المال اللازم إنفاقه في مصارفه الثمانية وفق شروط مخصوصة، وهي حق معلوم من المال، مقدر بقدر معلوم، يجب على المسلم بشروط مخصوصة، في أشياء مخصوصة هي: الأموال الزكوية، وزكاة الفطر. فهي في الشرع الإسلامي نوع من العبادات بمعنى: إنفاق المال على جهة الفرض، حيث تعد أحد أركان الإسلام الخمسة، وتطلق الصدقة على الإنفاق المفروض وغيره.

 

فالزَّكاةُ في الشرع الإسلامي: «حِصّةٌ من المال ونحوه يوجب الشرعُ بذلها للفقراءِ ونحوهم بشروط خاصة».[2] أو هي: «اسم لمال مخصوص، يجب دفعه للمستحقين، بشروط مخصوصة». سميت زكاة؛ لأنها شرعت في الأموال الزكوية لتطهير المال، وفي زكاة الفطر لتطهير النفس، كما أن دفع الزكاة سبب لزيادة المال ونمائه، وسبب لزيادة الثواب في الآخرة بمضاعفته للمتصدق. وتسمى الزكاة صدقة، إلا أن الصدقة تشمل: الفرض والنفل، بخلاف الزكاة فإنها تختص بالفرض.

وإيتاء الزكاة في الإسلام عبادة متعلقة بالمال، تعد ثالث أركان الإسلام الخمسة، وهي مفروضة بإجماع المسلمين، وفرضها بأدلة من الكتاب والسنة، وإجماع المسلمين، فمن القرآن﴿وآتوا الزكاة﴾،  وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ  ، والأحاديث المستفيضة، مثل حديث: بُني الإسلام على خمس وذكر منها: إيتاء الزكاة.[3] واقترنت الزكاة بالصلاة في القرآن في اثنين وثمانين آية، وهذا يدل على أنه لا تقبل أحدهما بدون الأخرى.[4] وفرضت في مكة على سبيل الإجمال، وبينت أحكامها في المدينة في السنة الثانية للهجرة.[3] وتجب الزكاة في مال، أو بدن، على الأغنياء بقدر معلوم تدفع في مصارف الزكاة الثمانية.

والزكاة في الفقه الإسلامي تتضمن دراسة زكاة المال، وزكاة الفطر، والأموال الزكوية ومقاديرها وأحكامها، وتجب في النعم والذهب والفضة وفي أجناس من الزروع والثمار، وفي عروض التجارة والركاز والمعدن. والزكاة فريضة شرعية ذات نظام متكامل، يهدف لتحقيق مصالح العباد والبلاد والتكافل الاجتماعي، وسد حاجة المحتاجين، وإغناء الفقير. والزكاة هي الصدقة المفروضة، بقدر معلوم في المال، وهي إلزامية، وليست مساهمة خيرية، ولا تعتبر ضريبة، بل تختلف عنها، ولا خلاف في مقاديرها، وأحكامها إلا في مسائل فرعية قليلة، ويدفعها المزكي، أو من ينوبه للمستحقين، وإذا طلبها السلطان؛ لزم دفعها إليه، وتصرف في مصارف الزكاة. ولا تصرف للجمعيات الخيرية، ولا لبناء المساجد، وغير ذلك من الأعمال الخيرية. ومنع الزكاة سبب لتلف المال، والعقوبة في الآخرة، ومانعها مع اعتقاد وجوبها يأخذها السلطان منه، وإن كان بذلك خارجا عن قبضة الإمام؛ قاتله بحق الإسلام، ولا يخرجه ذلك عن الإسلام.

** عناصر البحث:

1تعريف الزكاة

 

** تعريف الزكاة:

الزَّكاةُ في اللغة لها عدة معان منها: البَرَكة والنَّماءُ والزيادة، يقال: زكا الزرع أي: نما، وزكت البقعة أي: بوركت،[4] والزكاء: ما أخرجه الله من الثمر، وأرض زكية: طيبة سمينة، حكاه أبو حنيفة. قال ابن منظور: «وفي حديث علي، كرم الله وجهه: المال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق، فاستعار له الزكاء وإن لم يك ذا جرم، وقد زكاه الله أزكاه. وتقول: هذا الأمر لا يزكو بفلان زكاء أي لا يليق به وأنشد:

والمال يزكو بك مستكبرا يختال قد أشرق للناظر.[5]»

والزكاة بمعنى: المدح، قال الله تعالى: ﴿فلا تزكوا أنفسكم﴾.[6] وبمعنى: الطهارة، سواء كانت طهارة حسية، أو طهارة معنوية، كما في قوله تعالى:  قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا  ، أي: طهرها من الأدناس. وزكى نفسه تزكية: مدحها، وفي حديث زينب: كان اسمها برة فغيره وقال: تزكي نفسها، وزكى الرجل نفسه إذا وصفها وأثنى عليها،[5] وزكى القاضي الشهود إذا بين زيادتهم في الخير، وبمعنى: الصلاح، ورجل تقي زكي أي: زاك من قوم أتقياء أزكياء، «وقوله تعالى:﴿خيرا منه زكاة﴾ أي: خيرا منه عملا صالحا، وقال الفراء: زكاة صلاحا. قال الله تعالى: ﴿وحنانا من لدنا وزكاة﴾، وقال تعالى: ﴿ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء﴾ صلح».[5] وزكى المال زكاة أدى عنه زكاته، وزكاه أخذ زكاته، وتزكى: تصدق. وزكا الزرع يزكو زكاء بالفتح والمد أي نما. وغلام زكي أي: زاك، وقد زكا من باب سما وزكاء أيضا.[1][7] وفي لسان العرب: «والزكاة: زكاة المال معروفة، وهو تطهيره، والفعل منه زكى يزكي تزكية إذا أدى عن ماله زكاته غيره: الزكاة ما أخرجته من مالك لتطهره به، وقوله تعالى: ﴿وتزكيهم بها﴾ قالوا: تطهرهم بها قال أبو علي: “الزكاة صفوة الشيء”، وزكاه إذا أخذ زكاته، وتزكى أي تصدق. وفي التنزيل العزيز: ﴿والذين هم للزكاة فاعلون﴾قال بعضهم: الذين هم للزكاة مؤتون، وقال آخرون: الذين هم للعمل الصالح فاعلون».[5]

قال ابن منظور: وأصل الزكاة في اللغة الطهارة والنماء والبركة والمدح وكله قد استعمل في القرآن والحديث، وهي من الأسماء المشتركة بين المخرج والفعل، فيطلق على العين وهي الطائفة من المال المزكى بها، وعلى المعنى وهي التزكية، قال تعالى: ﴿والذين هم للزكاة فاعلون﴾ فالزكاة طهرة للأموال وزكاة الفطر طهرة للنفوس .[5] وتستعمل كلمة الزكاة بالمعنى الشرعي، للمال الواجب إخراجه، وهو: (حق معلوم)، وتسمى الزكاة أيضا صدقة، إلا أن استعمال لفظ: (زكاة) للفريضة، ولفظ: (صدقة) يشمل: الزكاة الواجبة، وصدقة التطوع، كما أن الصدقة تشمل: فعل الخير، سواء إنفاق المال، أو غيره، وفي الحديث: «وتميط الأذى عن الطريق صدقة». وسميت الزكاة: زكاة؛ لأنها تزكي المال، أي: تطهره، وتعود على المزكي بالزيادة في الخير، والبركة في المال، ونمائه، ومضاعفة الأجر، كما أنها تزكية لنفس المزكي، قال الله تعالى: ﴿تطهرهم وتزكيهم بها﴾.[8] وقيل سميت زكاة؛ لأن المال يزكو بها أي: ينمو ويكثر، زكاء المال زيادته ونماؤه.[4] قال ابن منظور: «وقيل لما يخرج من المال للمساكين من حقوقهم زكاة؛ لأنه تطهير للمال وتثمير وإصلاح ونماء».[5] قال في المبدع: «فسمي المال المخرج زكاة؛ لأنه يزيد في المخرج منه، ويقيه الآفات».[3] فهي تزيد في المال الذي أخرجت منه، وتقيه الآفات، قال ‏الله تعالى:‏ ﴿خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها﴾، وفي الحديث: «قال رسول الله : “إن الله ليربي لأحدكم صدقته كما يربي أحدكم فلوه”». فنفس المتصدق تزكو، وماله يزكو‏: يَطْهُر ويزيد ويبارك فيه، وينمو بالخلف في الدنيا والثواب في الآخرة.

 

 

 

** بالمعنى الشرعي:

الزَّكاةُ بالمعنى الشرعي هي: المال المؤدى، أي: الذي يخرجه المزكي، ليصرف في مصارف الزكاة، ويدل على هذا المعنى: نصوص الشرع مثل قوله تعالى: ﴿ويؤتون الزكاة﴾ أي: يؤدونها لمستحقيها، فهي: المال المؤدى؛ لأنه تعالى قال:﴿وآتوا الزكاة﴾، ولا يصح الإيتاء إلا للعين.[4] أو هي: «حق يجبى في مال خاص، لطائفة مخصوصة، في وقت مخصوص»، وتسمى صدقة؛ لأنها دليل لصحة إيمان مؤديها وتصديقه.[3]

 

والزكاة في اصطلاح علماء الفقه هي: «حصة من المال يجب دفعه للمستحقين»، أو «الجزء المخصص للفقير والمحتاج من أموال الغني»، أو هي: «تمليك المال من فقير مسلم غير هاشمي، ولا مولاه بشرط قطع المنفعة عن المملك من كل وجه لله تعالى»؛ لقوله تعالى ﴿وآتوا الزكاة﴾ والإيتاء هو التمليك ومراده تمليك جزء من ماله، وهو ربع العشر أو ما يقوم مقامه.[4]

*** تاريخ الزكاة:

شرع الله عزوجل الزكاة في رسالة الخليل إبراهيم عليه السلام كما فرضها على النبي صلى الله عليه وسلم وأمته بالاتفاق على مشروعية بذل جزء معلوم من المال إلى ذوي الحاجة، ولكن هناك اختلاف حول تفاصيل أحكامها، من حيث ما هو واجب أو تطوع، وعلى من تجب وفيم تجب ومقاديرها وغير ذلك، وفي القرآن الكريم: ﴿لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا.﴾ والمعنى: أن رسالة الخليل إبراهيم عليه السلام تتفق في أصول الدين وأحكامه الكلية، وتختلف شرائعه في فروع أحكام الدين وجزئياته، فالاتفاق في توحيد الله وعبادته والإيمان به وبرسله وكتبه، وأيضا في الأحكام العامة، ومن أهمها إقام الصلاء وإيتاء الزكاة بمعنى: إخراج قدر معلوم من المال الواجب دفعه للمستحقين، وهو من مهمات الدين وأساسياته، وقد بين الله تعالى ذلك بقوله:  وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ  ،(1) والمعنى: أن الله تعالى أمر جميع عباده أن يعبدوه وحده، مخلصين له الدين، على الملة الحنيفية، ملة جميع الأنبياء والرسل، وجعل من أساسياته إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، في شريعة النبي صلى الله عليه وسلم والشرائع السابقة على جميع الأنبياء والرسل، وكلها تتفق في مشروعية الزكاة، وتختلف في كيفياتها، وأحكامها التفصيلية. وذكر الله عزوجل في القرآن الكريم أنه أخذ ميثاق بني إسرائيل: ألا يعبدوا إلا الله وحده لا شريك له، وألا يشركوا به شيئا، وأن يحسنوا بالوالدين والقريب واليتيم والمسكين، وأن يقولوا للناس قولا حسنا، وأن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة المفروضة، ونص الآية:  وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ  [9] قال الطبري: وأما الزكاة التي كان الله أمر بها بني إسرائيل الذين ذكر أمرهم في هذه الآية فهي كما رواه بسنده عن الضحاك: «عن ابن عباس: ﴿وآتوا الزكاة﴾، قال: إيتاء الزكاة، ما كان الله فرض عليهم في أموالهم من الزكاة، وهي سنة كانت لهم غير سنة سيدنا محمد ، كانت زكاة أموالهم قربانا تهبط إليه نار فتحملها، فكان ذلك تقبله، ومن لم تفعل النار به ذلك كان غير متقبل، وكان الذي قرب من مكسب لا يحل، من ظلم أو غشم، أو أخذ بغير ما أمره الله به وبينه له». وما رواه أيضا: «عن ابن عباس: ﴿وآتوا الزكاة﴾، يعني بالزكاة: طاعة الله والإخلاص».[10] وقد جاء في نصوص الشرع الإسلامي ما يدل على أن مهمات الدين الذي بعث به الله الرسل تقوم على أساس دعوة الناس إلى توحيد الله وعبادته، وجاء في القرآن ذكر ما قاله عيسى عليه السلام في قوله تعالى: ﴿وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا﴾.

ذكر الطبري أن للزكاة في هذه الآية تفسيران أحدهما: إنفاق المال، وثانيهما: تزكية البدن من المعاصي.[11] كما ذكر في القرآن أن هذا كان في الشرائع السابقة، وأهل الكتاب على وجه الخصوص، وذكر علماء التفسير أن المقصود بهم: (اليهود والنصارى). قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء﴾: وما أمروا أي: وما أمر هؤلاء الكفار في التوراة والإنجيل إلا ليعبدوا الله أي: ليوحدوه. وقوله تعالى: ﴿حنفاء﴾ أي مائلين عن الأديان كلها، إلى دين الإسلام، وكان ابن عباس يقول: “حنفاء على دين إبراهيم عليه السلام”. ﴿ويقيموا الصلاة﴾ أي: بحدودها في أوقاتها، ﴿ويؤتوا الزكاة﴾ أي: يعطوها عند محلها.[12]

** في التاريخ الإسلامي:

الزكاة في الشرع الإسلامي فريضة شرعية فرضها الله عزوجل وجعل المقصود منها صلاح أمور البلاد والعباد، وهي ثالث أركان الإسلام الخمسة. وفرضت الزكاة بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، في مكة قبل الهجرة، حيث دلت على ذلك آيات من القرآن نزلت في مكة، وكان هذا الفرض على سبيل الإجمال، وكان بيان أحكامها، وتطبيقها بعد الهجرة إلى المدينة المنورة،

وتعتبر مرحلة ما بعد الهجرة النبوية أهم مرحلة في تشريع الزكاة، حيث كان بيان تفاصيل أحكامها، وتحديد مقاديرها ومصارفها، وتكليف العاملين على تحصيلها، ومن ثم صرفها في مصارفها. والزكاة في الإسلام لا تقتصر على معنى التصدق بجزء من المال فقط، بل هي نظام شرعي متكامل، وتتميز أحكام الزكاة في الشرع الإسلامي عن الشرائع الأخرى بكونها نظام دقيق متكامل، وبكونها إلزامية.

ويؤكد الشرع الإسلامي على وجود علاقة بين الزكاة والدولة، مع تغليب جانب ذوي الاستحقاق للزكاة، فيجعل الدولة وكيلا للمستحقين مطالبا لهم بحقهم في الزكاة، ويدل على هذا حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه «فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم، تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم، فإذا أقروا بذلك فخذ منهم، وتوق كرائم أموال الناس».[13] وفي القرآن الكريم: ﴿خذ من أموالهم صدقة﴾، أي: خذ يا محمد صلى الله عليه وسلم منهم الصدقة المفروضة عليهم، وتوجيه الخطاب له بصفته ولي أمر المسلمين، وكان يولي العمال على أخذها لتصرف في مصارفها، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : «بعث رسول الله  عمر على الصدقة..»[14] وبعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن.[15] وبعث المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة إلي كندة والصفد، وولى شهر بن باذان على صنعاء، وبعث زياد بن لبيد إلي حضرموت، وبعث عدي بن حاتم إلي طئ وبني أسد، وولى مالك بن نويرة علي صدقات قومه، وبعث العلاء بن الحضرمي إلي القطيف بالبحرين، وولى أبا موسى الأشعري على زبيد وعدن، ومعاذ ابن جبل على الجند، وكلف غيرهم من الولاة على الصدقات.[16] وقد كان تطبيق نظام الزكاة في العصر النبوي يمثل طريقة التشريع الإسلامي الذي حذا حذوه الخلفاء الأربعة، ومن بعدهم من خلفاء الدول الإسلامية المتعاقبة.

** في عصور الخلافة الإسلامية:

بعدما بويع أبو بكر الصديق رضي الله عنه خليفة للمسلمين عمل على تطبيق الشريعة الإسلامية وفق الطريقة النبوية، وكان يبعث عماله على تحصيل الزكاة، وكانت غالب قبائل العرب تستجيب لعمال الزكاة، وكانت بعض القبائل قريبة عهد بالإسلام، وقد واجه سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ظاهرة منع الزكاة من بعض تلك القبائل، ولم يكونوا في الحكم على منوال واحد.

وقد قسم العلماء الذين امتنعوا من دفع الزكاة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى قسمين: القسم الأول: أهل الردة وهم الذين ارتدوا عن الدين ونابذوا الملة وعادوا إلى الكفر بعد إسلامهم، وهم الذين عناهم أبو هريرة بقوله: «وكفر من كفر من العرب..».[توضيح 1][17]

وجاء هذا في أثناء حديث طويل لأبي هريرة رضي الله عنه وتتمة هذا الحديث, قال أبو هريرة رضي الله عنه: « لما توفي رسول الله  واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب: قال عمر: لأبي بكر:«كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله؟»، فقال: «والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله  لقاتلتهم على منعه» فقال عمر: «فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق». قال ابن بكير وعبد الله عن الليث عناقا وهو أصح».

ومن أهل الردة , الذين ارتدوا عن الدين ونابذوا الملة وعادوا إلى الكفر بعد إسلامهم،  هؤلاء أصحاب مسيلمة من بني حنيفة وغيرهم الذين صدقوه على دعواه في النبوة، وأصحاب الأسود العنسي ومن كان من مستجيبيه من أهل اليمن وغيرهم، فقاتلهم أبو بكر رضي الله عنه حتى قتل الله مسيلمة باليمامة، والعنسي بصنعاء وانفضت جموعهم وهلك أكثرهم. ومن هذا القسم أيضا: الذين ارتدوا عن الدين وأنكروا الشرائع وتركوا الصلاة والزكاة وغيرها من أمور الدين وعادوا إلى ما كانوا عليه من عبادة الأصنام وغير ذلك.

والقسم الثاني: هم الذين لم يرتدوا عن الإسلام، ولكنهم فرقوا بين الصلاة والزكاة فأقروا بالصلاة، وأنكروا فرض الزكاة ووجوب أدائها إلى الإمام. وهؤلاء على الحقيقة أهل بغي. ومنهم من لم يمتنع من دفع الزكاة إلا أن رؤساءهم صدوهم عن ذلك الرأي وقبضوا على أيديهم في ذلك مثل بني يربوع، فإنهم قد جمعوا صدقاتهم وأرادوا أن يبعثوا بها إلى أبي بكر رضي الله عنه فمنعهم مالك بن نويرة من ذلك وفرقها فيهم.[18] أما القسم الأول وهم أهل الردة فقد اتفق الصحابة على قتالهم بسبب الردة، وقاتلهم أبو بكر الصديق حتى انتهى أمرهم. وأما القسم الثاني فلم يحكم عليهم بالردة؛ لجهلهم بالأحكام وقرب عهدهم بالإسلام، وإنما قاتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه ؛ لأنهم بغاة، والباغي يقتل بحكم الإسلام، وحكمه حكم المسلمين. وبعد وفاة أبي بكر رضي الله عنه بويع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالخلافة، وسار على الطريقة النبوية، وقد كان له خبرة سابقة في تنظيم الزكاة من خلال عمله عليها في العصر النبوي، ومساعدة أبي بكر رضي الله عنه في تنظيمها، وقد عمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على توسيع التنظيم الإداري والمالي للدولة، ووضع الدواوين، بما في ذلك تخصيص بيت مال للزكاة. ثم سار على ذلك الخليفة عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب، الذي خصص كل يوم جمعة لتوزيع المال على ذوي الحاجات، ثم خلفاء الدولة الأموية، ثم الدولة العباسية، والدول الإسلامية المتعاقبة، وكانت هناك تنظيمات للزكاة خلال الدولة العثمانية، التي كانت تمثل دولة الخلافة الإسلامية، إلى فترة الحرب العالمية.

 

** مراجع:

  • مختار الصحاح، لمحمد بن أبي بكر الرازي، باب الزاي، (زكا)، المكتبة العصرية -الدار النموذجية. 1420 هـ/ 1999م.
  1. المعجم الوسيط
  • المبدع ، لأبي إسحاق برهان الدين بن محمد بن عبد الله الحنبلي، (كتاب الزكاة) ج2 ص290 المكتب الإسلامي 1421 هـ/ 2000 م.
  • البحر الرائق شرح كنز الدقائق لزين الدين بن إبراهيم بن نجيم. كتاب الزكاة، ج2 ص217 دار الكتاب الإسلامي ط2 د.ت.
  1. لسان العرب لابن منظور ج: (7)، ص: (46)، حرف الزاي، كلمة: (زكا) دار صادر للطباعة والنشر والتوزيع، سنة: 2003.
  2. سورة النجمآية: 32.
  • مختار الصحاح .
  1. (سورة التوبةآية: 103)
  • ابن كثير دار طيبة 317و 318 ج1
  1. تفسير الطبري، محمد بن جرير الطبري، الجزء الثاني، ص298. تفسير سورة البقرة، القول في تأويل قوله تعالى “وآتوا الزكاة”. رقم الحديث: 1459 و1460، دار المعارف.
  2. تفسير الطبري، ج18 ص191، 192 سورة مريم آية: 13
  3. تفسير القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي الجامع لأحكام القرآن، تفسير سورة لم يكن، قوله تعالى: ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء﴾، الجزء العشرون. قوله تعالى: ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة﴾. ص128، دار الفكر.
  4. صحيح البخاري كتاب التوحيد باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى. رقم الحديث: (6937) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ص: (361)
  5. شرح صحيح مسلم للنووي (كتاب الزكاة) باب في تقديم الزكاة ومنعها، حديث رقم: (983) ص: 49. والحديث رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما واللفظ لمسلم.
  6. البداية والنهاية/الجزء الخامس/بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي وخالد إلى اليمن.
  7. الوافي بالوفيات ج1 ص81.
  8. فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، (باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، رقم: (6855)، دارالريان للتراث، سنة: 1407 هـ/ 1986 م.
  9. شرح النووي على صحيح مسلم، يحيي بن شرف أبو زكريا النووي، كتاب الإيمان، (باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله)، ص165. دار الخير، سنة: 1416هـ / 1996م

 

 

إترك تعليق

البريد الالكتروني الخاص بك لن يتم نشرة . حقل مطلوب *

*