القول السديد في أن الجهر بالبسملة في الصلاة هو الثابت الصحيح عن سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم كما ذهب إليه شمس الدنيا وإمام الأئمة محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه.

القول السديد في أن الجهر بالبسملة في الصلاة هو الثابت الصحيح عن سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم كما ذهب إليه شمس الدنيا وإمام الأئمة محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه.

القول السديد في أن الجهر بالبسملة في الصلاة هو الثابت الصحيح عن سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم كما ذهب إليه شمس الدنيا وإمام الأئمة محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه.

ورحم الله إمامنا محمد بن إدريس الشافعي  وسار أئمة المسلمين العدلاء الفضلاء.

** وتفصيل هذه المسألة كما يلي:

* أولاً: المصنّفات التي كتبها الحُفّاظ في الاستدلال على الجهر بالبسملة :

صنّف الإمام المقدسي الشافعي كتاب بالبسملة، وقال فيه : (والجهر بالبسملة هو الذي قرره الأئمة الحفاظ واختاروه وصنفوا فيه مثل محمد بن نصر المروزي ، وأبي بكر بن خزيمة ، وأبي حاتم بن حبان، وأبي الحسن الدارقطني،  وأبي عبد الله الحاكم، وأبي بكر البيهقي، و الخطيب، وأبي عمر بن عبد البر، وغيرهم رحمهم الله).

 

وقد رجّح هؤلاء الجهر بالبسملة، وهم كلهم شافعية إلا ابن عبد البر فهو مالكي، ومع ذلك فقد رجح الجهر بالبسملة أيضا! وهناك كتب أخرى تتعلق بالجهر بالبسملة .

 

* ثانياً: الذين قالوا بالجهر بالبسملة من الصحابة والتابعين وتابعيهم :

الجهر بالبسملة هو قول أكثر العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء والقراء..

 

فأما الصحابة الذين قالوا به : فرواه الحافظ أبو بكر الخطيب عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعمار بن ياسر وأبي بن كعب وابن عمر وابن عباس وأبي قتادة وأبي سعيد وقيس بن مالك وأبي هريرة وعبد الله بن أبي أوفى وشداد بن أوس وعبد الله بن جعفر والحسين بن علي وعبد الله بن جعفر ومعاوية وجماعة المهاجرين والأنصار الذين حضروه لما صلى بالمدينة وترك الجهر فأنكروا عليه فرجع إلى الجهر بها رضي الله عنهم أجمعين .

قال الخطيب : وأما التابعون ومن بعدهم ممن قال بالجهر بها : فهم أكثر من أن يذكروا وأوسع من أن يحصروا ، ومنهم سعيد بن المسيب وطاوس وعطاء ومجاهد وأبو وائل وسعيد بن جبير و ابن سيرين وعكرمة وعلي بن الحسين وابنه محمد بن علي و سالم بن عبد الله ومحمد بن المنكدر وأبو بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم ومحمد بن كعب ونافع مولى بن عمر و عمر بن عبد العزيز وأبو الشعثاء ومكحول وحبيب بن أبي ثابت والزهري وأبو قلابة وعلي بن عبد الله بن عباس وابنه محمد بن علي والأزرق بن قيس وعبد الله بن مغفل بن مقرن فهؤلاء من التابعين .

ونقل الخطيب عن عكرمة أنه كان لا يصلي خلف من لا يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم . وقال أبو جعفر محمد بن علي : لا ينبغي الصلاة خلف من لا يجهر

وقال أبو جعفر محمد بن علي : لا ينبغي الصلاة خلف من لا يجهر

قال الخطيب : وممن قال به بعد التابعين : عبد الله بن عمر العمري والحسن بن زيد وعبد الله بن حسن وزيد بن علي بن حسين ومحمد بن عمر بن علي و ابن أبي ذئب والليث بن سعد وإسحاق بن راهويه ، ورواه البيهقي عن بعض هؤلاء وزاد في التابعين عبد الله بن صفوان و محمد بن الحنفية وسليمان التيمي وممن تابعهم المعتمر بن سليمان ، ونقله ابن عبد البر عن بعض هؤلاء وزاد فقال : هو قول جماعة أصحاب ابن عباس طاوس وعكرمة وعمرو بن دينار ، وقول ابن جريج ومسلم بن خالد وسائر أهل مكة وهو أحد قولي ابن وهب صاحب مالك وحكاه غيره عن ابن المبارك وأبي ثور

وفي كتاب البيان لابن أبي هاشم عن أبي القاسم بن المسلمي قال : كنا نقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في أول فاتحة الكتاب ، وفي أول سورة البقرة وبين السورتين في الصلاة وفي الفرض كان هذا مذهب القراء بالمدينة

 

 

**ثالثاً:  الأدلة التي استند إليها السادة الشافعية على الجهر بالبسملة في الصلاة من حديث أو أثر  وخلاف ذلك .

1- القراءات القرآنية السبعة :

اعلم أن أئمة القراءة السبعة ( منهم ) من يرى البسملة بلا خلاف عنه ( ومنهم ) من روي عنه الأمران ، وليس فيهم من لم يبسمل بلا خلاف عنه فقد بحثت عن ذلك أشد البحث فوجدته كما ذكرته ثم كل من رويت عنه البسملة ذكرت بلفظ الجهر بها إلا روايات شاذة جاءت عن حمزة رحمه الله بالأسرار بها وهذا كله مما يدل من حيث الإجمال على ترجيح إثبات البسملة والجهر بها .

 

2- إجماع الصحابة :

 

ففي كتاب الخلافيات للبيهقي عن جعفر بن محمد قال : أجمع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم على الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

 

3- ما هو مستنبط من متفق على صحته رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : في كل صلاة قراءة وفي رواية بقراءة وفي أخرى لا صلاة إلا بقراءة قال أبو هريرة فما أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلناه لكم ، وما أخفاه أخفيناه لكم وفي رواية فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم وما اخفي منا أخفيناه منكم كل هذه الألفاظ في الصحيح ، وبعضها في الصحيحين ، وبعضها في أحدهما ، ومعناه يجهر بما جهر به ويسر بما أسر به ، ثم قد ثبت عن أبي هريرة أنه كان يجهر في صلاته بالبسملة فدل على أنه سمع الجهر بها من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال الخطيب أبو بكر الحافظ البغدادي : الجهر بالتسمية مذهب لأبي هريرة حفظ عنه واشتهر به ورواه عنه غير واحد من أصحابه .

 

4- حديث نعيم بن عبد الله المجمر قال : صليت وراء أبي هريرة رضي الله عنه فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم الكتاب حتى إذا بلغ ولا الضالين قال : آمين وقال الناس : آمين ويقول كلما سجد : الله أكبر وإذا قام من الجلوس من الاثنين قال : الله أكبر ثم يقول إذا سلم . والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم رواه النسائي في سننه وابن خزيمة في صحيحه .

 

– قال ابن خزيمة في مصنفه : فأما الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة فقد صح وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد ثابت متصل لا شك ولا ارتياب عند أهل المعرفة بالأخبار في صحة سنده واتصاله ، فذكر هذا الحديث ، ثم قال : فقد بان وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة

 

– وأخرجه أبو حاتم بن حبان في صحيحه

 

– والدارقطني في سننه وقال : هذا حديث صحيح ورواته كلهم ثقات

 

– ورواه الحاكم في المستدرك على الصحيح وقال : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم

 

– واستدل به الحافظ البيهقي في كتاب الخلافيات ثم قال : رواة هذا الحديث كلهم ثقات مجمع على عدالتهم محتج بهم في الصحيح وقال في السنن الكبير : وهو إسناد صحيح وله شواهد

 

– واعتمد عليه الحافظ أبو بكر الخطيب في أول كتابه الذي صنفه في الجهر بالبسملة في الصلاة ، فرواه من وجوه متعددة مرضية ، ثم قال : هذا الحديث ثابت صحيح لا يتوجه عليه تعليل في اتصاله وثقة رجاله

 

فهذا الحديث قد صححه الأئمة الفحول ؛ الإمام النسائي , وابن حبان , وابن خزيمة , والدارقطني , والحاكم , والبيهقي , والخطيب البغدادي , والنووي , وابن حجر العسقلاني , وغيرهم , فلا تغتر بما طنطن به بعض المعاصرين حول هذا الحديث بعد تصحيح أولئك الأعلام!

 

– قال ابن حجر في الفتح , في “باب جهر المأموم بالتأمين” :

(وَأَمَّا طَرِيقُ نُعَيْمٍ فَرَوَاهَا النَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالسَّرَّاجُ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ قَالَ ” صَلَّيْت وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ حَتَّى بَلَغَ وَلَا الضَّالِّينَ فَقَالَ آمِينَ وَقَالَ النَّاسُ آمِينَ ، وَيَقُولُ كُلَّمَا سَجَدَ اللَّهُ أَكْبَرُ ، وَإِذَا قَامَ مِنْ الْجُلُوسِ فِي الِاثْنَتَيْنِ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ ، وَيَقُولُ إِذَا سَلَّمَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” بَوَّبَ النَّسَائِيُّ عَلَيْهِ ” الْجَهْرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ” وَهُوَ أَصَحُّ حَدِيثٍ وَرَدَ فِي ذَلِكَ ، وَقَدْ تُعُقِّبَ اِسْتِدْلَالُهُ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ ” أَشْبَهُكُمْ ” أَيْ فِي مُعْظَمِ الصَّلَاةِ لَا فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهَا ، وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ غَيْرُ نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِدُونِ ذِكْرِ الْبَسْمَلَةِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا ، وَالْجَوَابُ أَنَّ نُعَيْمًا ثِقَةٌ فَتُقْبَلُ زِيَادَتُهُ ، وَالْخَبَرُ ظَاهِرٌ فِي جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ حَتَّى يَثْبُتَ دَلِيلٌ يُخَصِّصُهُ) .

 

 

5- ما رواه الدارقطني في سننه من طريقين عن منصور بن أبي مزاحم قال حدثنا إدريس عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : إنه كان إذا قرأ وهو يؤم الناس افتتح بسم الله الرحمن الرحيم قال أبو هريرة هي آية من كتاب الله اقرأوا إن شئتم فاتحة الكتاب فإنها الآية السابعة وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أم الناس قرأ بسم الله الرحمن الرحيم

 

– قال الدارقطني : رجال إسناده كلهم ثقات .

– وقال الخطيب : قد روى جماعة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ويأمر به فذكر هذا الحديث وقال بدل قرأ : جهر وعن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم وعن أبي حازم عن أبي هريرة قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بقراءة بسم الله الرحمن الرحيم .

 

6- حديث أم سلمة  رضي الله عنها فرواه جماعة من الثقات عن ابن جريج عن عبد الله ابن أبي مليكة عنها رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين وفي رواية كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم يقطعها حرفا حرفا وفي رواية كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأ يقطع قراءته آية آية

 

رواه الحاكم في المستدرك وابن خزيمة والدارقطني وقال : إسناده كلهم ثقات وهو إسناد صحيح .

– وقال الحاكم في المستدرك : هو صحيح على شرط البخاري ومسلم

– ورواه عمر بن هارون البلخي عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم فعدها آية ، الحمد لله رب العالمين آيتين ، الرحمن الرحيم ثلاث آيات ، مالك يوم الدين أربع آيات ، وقال : هكذا إياك نعبد وإياك نستعين وجمع خمس أصابعه

 

– قال أبو محمد: لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه المقاطيع أخبر عنه أنه عند كل مقطع آية لأنه جمع عليه أصابعه ، فبعض الرواة حين حدث بهذا الحديث نقل ذلك زيادة في البيان .

وعن عمر بن هارون هذا كلام لبعض الحفاظ إلا أن حديثه أخرجه ابن خزيمة في صحيحه

 

– وأما الزيادة التي في حديثه وهي قوله قرأ في الصلاة فرواها الطحاوي من حديث ابن جريج بسنده وذكر الرازي له تأملات ضعيفة أبطلتها في الكتاب الطويل .

 

7- وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما فرواه الدارقطني في سننه والحاكم في المستدرك بإسنادهما عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

قال الحاكم : هذا إسناد صحيح وليس له علة.

8- 9 : وأخرج الدارقطني حديثين كلاهما عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وقال في كل واحد منهما : هذا إسناد صحيح ليس في رواته مجروح أحدهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر ببسم الله الرحمن الرحيم .

والثاني : كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم .

– وهذا الثاني رواه الترمذي وقال : ليس إسناده بذاك.

 

– قال أبو محمد المقدسي : فحصل لنا والحمد لله عدة أحاديث عن ابن عباس صححها الأئمة لم يذكر ابن الجوزي في التحقيق شيئا منها ، بل ذكر حديثا رواه عمر بن حفص المكي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في السورتين حتى قبض قال ابن الجوزي : وعمر بن حفص أجمعوا على تركه ، وليس هذا بإنصاف ولا تحقيق فإنه يوهم أنه ليس عن ابن عباس في الجهر سوى هذا الحديث الضعيف .

 

10- قال ابن عبد البر في الإنصاف : وروى إسحاق بن راهويه ، عن المعتمر بن سليمان قال : سمعت إسماعيل بن حماد يذكر عن أبي خالد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وذكر الساجي عن يحيى بن حبيب بن عربي ، عن معتمر بن سليمان بإسناده مثله إلا أنه قال : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يفتتح ببسم الله الرحمن الرحيم قال أبو عمر : الصحيح في هذا الحديث أيضا والله أعلم أنه روي عن ابن عباس فعله لا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

فقد صححه ابن عبد البر موقوفا على ابن عباس

 

11- وأما حديث أنس فالاستدلال به من أوجه الأول : أن في صحيح البخاري من حديث عمرو بن عاصم عن همام وجرير عن قتادة قال سئل أنس كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كانت مدا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم ؟

 

– قال الحافظ أبو بكر محمد بن موسى الحازمي : هذا حديث صحيح لا نعرف له علة .

قال : وفيه دلالة على الجهر مطلقا يتناول الصلاة وغيرها لأن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم لو اختلفت في الجهر بين حالتي الصلاة وغيرها لبينها أنس ولما أطلق جوابه ، وحيث أجاب بالبسملة دل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بها في قراءته ولولا ذلك لأجاب أنس بالحمد لله رب العالمين أو غيرها .

 

12- الوجه الثاني : أن في صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفي إغفاء ثم رفع رأسه متبسما ، فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله قال : أنزلت علي آنفا سورة فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم إنآ أعطينك الكوثر إلى آخرها ”

 

– وهذا تصريح بالجهر بها خارج الصلاة فكذا في الصلاة كسائر الآيات وقد أخرج مسلم هذا الحديث في صحيحة عقب الحديث المحتج به في نفي الجهر كالتعليل له به لان الحديثين من رواية أنس

 

– (فان قيل) إنما جهر بها في الحديث لأنه تلا ما أنزل ذلك الوقت فيلزمه أن يبلغه جميعه فجهر كباقي السور؟

(قلنا) فهذا دليل لنا لأنها تكون من السورة فيكون له حكم باقيها في الجهر حتى يقوم دليل خلافه .

 

13- ما اعتمده الإمام الشافعي من إجماع أهل المدينة في عصر الصحابة رضي الله عنهم خلافا لما ادعته المالكية من الاجماع:

قال الشافعي أخبرنا عبد المجيد ابن عبد العزيز عن ابن جريج قال أخبرني عبد الله بن عثمان بن خيثم إن أبا بكر بن حفص بن عمر أخبره ان أنس بن مالك قال صلى معاوية بالمدينة صلاة يجهر فيها بالقراءة فقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) لام القرآن ولم يقرأ بها للسور التي بعدها حتى قضى تلك القراءة ولم يكبر حين يهوى حتى قضى تلك الصلاة فلما سلم ناداه من شهد من المهاجرين من كل مكان يا معاوية أسرقت الصلاة أم نسيت فلما صلي بعد ذلك قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) للتي بعد أم القرآن وكبر حين يهوى ساجدا .

 

– ورواه يعقوب بن سفيان الامام عن الحميدي , واعتمد عليه يعقوب أيضا في اثبات الجهر بالبسملة .

 

– وقد أخرجه الحاكم في المستدرك وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم

 

وقد احتج بعبد المجيد وسائر رواته متفق على عدالتهم.

– قال البيهقي وتابعه على ذلك عبد الرزاق عن ابن جريج ورواه ابن خيثم باسناد آخر.

– ورواه الدارقطني في سننه وقال رجالهم كلهم ثقات .

-قال الدارقطني : وحدثنا أبو بكر النيسابوري قال حدثنا الربيع قال ثنا الشافعي فذكره إلا أنه قال فلم يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) لام القرآن ولم يقرأ للسورة بعدها فذكر الحديث وزاد والأنصاري ثم قال فلم يصل بعد ذلك الا قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) لام القرآن وللسورة

 

– ورواه الشافعي من وجه آخر وقال: فناداه المهاجرون والأنصار حين سلم يا معاوية أسرقت صلاتك أين (بسم الله الرحمن الرحيم).

 

– وقد حصل الجواب في الكتاب الكبير عما أورد في إسناد هذا الحديث ومتنه ويكفينا انه على شرط مسلم .

 

14- الوجه الرابع روى الدارقطني في سننه ومسنده عن المعتمر بن سليمان عن أبيه عن أنس قال ” كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بالقراءة ببسم الله الرحمن الرحيم ” .

 

– قال الدارقطني اسناده صالح وفيه عن محمد بن أبي السري العسقلاني قال صليت خلف المعتمر بن سلمان مالا أحصى صلاة المغرب والصبح فكان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قبل فاتحة الكتاب وبعدها وسمعت المعتمر يقول ما آلوا ان اقتدى بصلاة أبي وقال أبى ما آلوا ان اقتدى بصلاة أنس بن مالك وقال أنس رضي الله عنه ما آلوا ان اقتدى بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

– قال الدارقطني إسناده كلهم ثقات .

– وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات.

 

– وأخرج الحاكم أيضا عن شريك بن عبد الله عن أنس قال ” سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم “.

قال الحاكم: رواته كلهم ثقات.

 

– قال الحاكم ففي هذه الأخبار معارضة لحديث قتادة عن أنس السابق في ترك قراءة البسملة وهو كما قال لأنه إذا صح عنه ما ذكرناه فعلا ورواية  فكيف يظن به انه يروى ما يفهم خلافه فهو لم يقتد في جهره بها الا برسول الله صلى الله عليه وسلم

 

ففي الصحيحين عن حماد بن زيد عن ثابت عن أنس ” إني لا آلوا ان أصلي بكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا ”

 

– قال أبو محمد المقدسي قد حصل لنا والحمد لله عدة أحاديث جياد في الجهر  وتعرض ابن الجوزي لتضعيف بعض رواته عن أنس لم نذكرها نحن  وتعرض مما ذكرناه لرواية شريك وطعن فيه

(وجواب) ما قال إن شريكا من رجال الصحيحين ويكفينا أن نحتج بمن احتج به البخاري ومسلم وفيما ذكرناه من الأحاديث الصحيحة المشهود لها بالصحة ما يرد قول ابن الجوزي انه لم يصح عن أنس شئ في الجهر .

 

15- وأما حديث علي رضي الله عنه الذي بدأ الدراقطني بذكره في سننه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في صلاته .

 

– قال الدارقطني : هذا إسناد علوي لابأس به .

 

– وقد احتج به ابن الجوزي على المالكية في تركهم البسملة في الصلاة ولم يحتج في المسألة بغيره .

 

– ثم ساق الدارقطني الروايات في ذلك عن غير علي من الصحابة.

 

16- ثم ختمها برواية عنه حين قال : سئل علي رضي الله عنه عن السبع المثاني فقال : الحمد لله رب العالمين فقيل : إنما هي ست آيات ، فقال : بسم الله الرحمن الرحيم آية .

 

– قال الدارقطني : إسناده كلهم ثقات وإذا صح أن عليا يعتقدها من الفاتحة فلها حكم باقيها في الجهر.

 

 

17- وأما حديث سمرة فأخرجه الدارقطني والبيهقي عن حميد عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه قال : كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتان ، سكتة إذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم وسكتة إذا فرغ من القراءة وأنكر ذلك عمران بن حصين ، فكتبوا إلى أبي بن كعب وكتب أن صدق سمرة .

 

– قال الدارقطني : كلهم ثقات ، وكان علي بن المديني يثبت سماع الحسن من سمرة . .

 

-قال الخطيب : فقوله سكتة إذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يعني إذا أراد أن يقرأ لأن السكتة إنما هي قبل قراءة البسملة لا بعدها .

 

18- وقال ابن عبد البر في الإنصاف : أخبرنا قاسم بن محمد ، حدثنا خالد بن سعد ، حدثنا محمد بن إبراهيم ، حدثني محمد بن أحمد بن عبد الله بن أبي عون النسائي ، قدم علينا بغداد حاجا سنة سبع وثمانين ومائتين ، حدثنا علي بن حجر ، حدثنا عبيد الله بن عمرو الرقي ، عن عبد الكريم الجزري ، عن أبي الزبير ، عن عبد الله بن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم « أنه كان إذا قام في الصلاة فأراد أن يقرأ قال : بسم الله الرحمن الرحيم » قال أبو عمر : قد رفعه غيره أيضا عن ابن عمر ، ولا يثبت فيه إلا أنه موقوف على ابن عمر من فعله ، والله أعلم كذلك رواه سالم ونافع ويزيد الفقير عن ابن عمر .

 

– فقد صححه ابن عبد البر موقوفا.

19- وقد روى الخطيب بإسناد صحيح عن ابن الزبير الجهر بالبسملة

-و قال ابن حجر في في (تهذيب التهذيب) (٨ / ٣٥): (وكان عمرو أول من أسر البسملة في الصلاة مخالفة لابن الزبير لأنه كان يجهر بها. روى ذلك الشافعي وغيره بإسناد صحيح) .

 

20- في سنن الدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريدة : بأي شيء تستفتح القرآن إذا افتتحت الصلاة قال : قلت : بسم الله الرحمن الرحيم .

 

* خامساً: أدلة القائلين بالإسرار والرد عليها :

 

1- قالوا : قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب : كيف تقرأ أم القرآن فقال : الحمد لله رب العالمين.

وجوابه: أن هذا غير ثابت وإنما لفظه في كتاب الترمذي كيف تقرأ في الصلاة فقرأ أم القرآن وهذا لا دليل فيه , وفي سنن الدارقطني عكس ما ذكروه وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريدة : بأي شيء تستفتح القرآن إذا افتتحت الصلاة قال : قلت : بسم الله الرحمن الرحيم .

وعن علي وجابر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم معناه والله أعلم .

 

2- واحتج من يرى الإسرار بحديث أنس رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين .

 

وعنه صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها رواه مسلم .

 

وفي رواية الدارقطني : فلم أسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم .

 

وجوابه :

أ- أن المراد كانوا يفتتحون سورة الفاتحة لا بالسورة ، وهذا التأويل متعين للجمع بين الروايات ، ولأن مثل هذه العبارات وردت عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم . . وهما ممن صح عنه الجهر بالبسملة ، فدل على أن مراد جميعهم اسم السورة ، فهو كقوله بالفاتحة ، وقد ثبت أن أول الفاتحة البسملة فتعين الإبتداء بها.

 

فالرواية التي في مسلم ( فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ) فقال أصحابنا : هي رواية للفظ الأول بالمعنى الذي فهمه الراوي عبر عنه على قدر فهمه فأخطأ ، ولو بلغ الحديث بلفظه الأول لأصاب ، فإن اللفظ الأول هو الذي اتفق عليه الحفاظ ، ولم يخرج البخاري والترمذي وأبو داود غيره ، والمراد به اسم السورة كما سبق .

 

ب- وثبت في سنن الدارقطني عن أنس قال : كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فكانوا يفتتحون بأم القرآن فيما يجهر به قال الدارقطني : هذا صحيح ، وهو دليل صريح لتأويلنا ، فقد ثبت الجهر بالبسملة عن أنس وغيره كما سبق فلا بد من تأويل ما ظهر خلاف ذلك.

 

ج- هذا الحديث برواية مسلم مضطرب : فأشار ابن عبد البر أنه لا يجوز الإحتجاج به لتلونه واضطرابه واختلاف ألفاظه مع تغاير معانيها فلا حجة في شيء منها عنده، لأنه قال مرة : كانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين ومرة كانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم ومرة كانوا لا يقرأونها ومرة قال وقد سئل عن ذلك : كبرت ونسيت . فحاصل هذه الطريقة إنما نحكم بتعارض الروايات ولا نجعل بعضها أولى من بعض فيسقط الجميع .

 

-ونظير ما فعلوا في رد حديث أنس هذا ما نقله الخطابي في معالم السنن عن أحمد بن حنبل أنه رد حديث رافع بن خديج في المزارعة لاضطرابه وتلونه . وقال : هو حديث كثير الألوان .

 

د- أن نرجح بعض ألفاظ هذه الروايات المختلفة على باقيها ونرد ما خالفها إليها فلا نجد الرجحان إلا للرواية التي على لفظ حديث عائشة أنهم كانوا يفتتحون بالحمد لله أي بالسورة .

 

– وهذه طريقة الإمام الشافعي ومن تبعه لأن أكثر الرواة على هذا اللفظ ولقوله في رواية الدارقطني بأم القرآن فكأن أنسا أخرج هذا الكلام مستدلا به على من يجوز قراءة غير الفاتحة أو يبدأ بغيرها ، ثم افترقت الرواة عنه فمنهم من أداه بلفظه فأصاب ، ومنهم من فهم منه حذف البسملة فعبر عنه بقوله كانوا لا يقرأون أو فلم أسمعهم يقرأون البسملة ومنهم من فهم الإسرار فعبر عنه فإن قيل إذا اختلفت ألفاظ روايات حديث قضى المبين منها على المجمل ، فإن سلم أن رواية : يفتتحون محتملة ، فرواية : لا يجهرون تعين المراد .

 

– قلنا : ورواية بأم القرآن تعين المعنى الآخر فاستويا وسلم لنا ما سبق من الأحاديث المصرحة بالجهر عن أنس وغيره ، وتلك لا تحتمل تأويلا وهذه أمكن تأويلها بما ذكرناه فأولت وجمع بين الروايات وألفاظها.

 

هـ – يقال ليس في هذه الروايات ما ينافى أحاديث الجهر الصحيحة السابقة أما الرواية المتفق عليها فظاهرة واما قوله لا يجهرون فالمراد به نفى الجهر الشديد الذى نهي الله تعالي عنه بقوله تعالى (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا) فنفى أنس رضى الله عنه الجهر الشديد دون اصل الجهر بدليل انه هو روى الجهر في حديث آخر .

 

-وأما رواية من روى يسرون فلم يرد حقيقة الاسرار وهذه طريقة الامام ابى بكر بن خزيمة وانما اراد بقوله يسرون التوسط المأمور به الذى هو بالنسبة الي الجهر المنهي عنه كالاسرار واختار هذا اللفظ مبالغة في نفى الجهر الشديد المنهي عنه وهذا معني ما روى عن ابن عباس انه قال الجهر (بسم الله الرحمن الرحيم) قراءة الاعراب اراد الجهر الشديد قراءة الاعراب لجفائهم وشدتهم لأن ابن عباس ممن رأى الجهر بالبسملة كما سبق.

 

و- رد جميع الروايات إلى معنى أنهم كانوا يسرون بالبسملة دون تركها ، وقد ثبت الجهر بها بالأحاديث السابقة عن أنس وكأن أنسا بالغ في الرد على من أنكر الجهر والإسرار بها فقال أنا صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه فرأيتهم يسرون بها أي وقع ذلك منهم مرة أو مرات لبيان الجواز ولم يرد الدوام ، بدليل ما ثبت عنه من الجهر رواية وفعلا كما سبق ، فتكون أحاديث أنس قد دلت على جواز الأمرين ووقوعهما من النبي صلى الله عليه وسلم وهما : الجهر والإسرار ، ولهذا اختلفت أفعال الصدر الأول في ذلك ، وهو كالاختلاف في الأذان والإقامة . قال أبو حاتم بن حبان : هذا عندي من الاختلاف المباح ، والجهر أحب إلى فعلى هذا قول من روى لم يقرأ أي لم يجهر ولم أسمعهم يقرأون ، أي يجهرون .

 

ز- يقال : نطق أنس بكل هذه الألفاظ المروية في مجالس متعددة بحسب الحاجة إليها في الاستدلال والبيان . فإن قيل : هلا حملتم حديث أنس رضي الله عنه على أن آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم ترك الجهر بدليل أنه حكى ذلك عن الخلفاء بعده قلنا : منع ذلك أن الجهر مروي عن أنس من فعله كما سبق من حديث المعتمر عن أبيه عن أنس ، فلا يختار أنس لنفسه إلا ما كان آخر الأمرين قال أبو محمد : وإن رمنا ترجيح الجهر فيما نقل أنس ، قلنا : هذه الرواية التي انفرد بها مسلم المصرحة بحذف البسملة أو بعدم الجهر بها قد عللت وعورضت بأحاديث الجهر الثابتة عن أنس ، والتعليل يخرجها من الصحة إلى الضعف ، لأن من شرط الصحيح أن لا يكون شاذا ولا معللا ، وإن اتصل سنده بنقل عدل ضابط عن مثله ، فالتعليل يضعفه لكونه اطلع فيه على علة خفية قادحة في صحته كاشفة عن وهم لبعض رواته ، ولا ينفع حينئذ إخراجه في الصحيح لأنه في نفس الأمر ضعيف وقد خفي ضعفه وقد تخفى العلة على أكثر الحفاظ ويعرفها الفرد منهم فكيف والأمر هنا بالعكس ، ولهذا امتنع البخاري وغيره من إخراجه .

 

وقد علل حديث أنس هذا بثمانية أوجه ذكرها أبو محمد مفصلة ، وقال : الثامن فيها أن أبا سلمة سعيد بن زيد قال : سألت أنسا أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بالحمد لله رب العالمين أو ببسم الله الرحمن الرحيم فقال : إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه وما سألني عنه أحد قبلك رواه أحمد بن حنبل في مسنده ، وابن خزيمة في كتابه ، والدارقطني في سننه ، وقال : إسناده صحيح ، وهذا دليل على توقف أنس وعدم جزمه بواحد من الأمرين ، وروي عنه الجزم بكل واحد منهما فاضطربت أحاديثه ، وكلها صحيحة فتعارضت فسقطت ، وإن ترجح بعضها فالترجيح الجهر لكثرة أحاديثه ، ولأنه إثبات فهو مقدم على النفي ولعل النسيان عرض له بعد ذلك قال ابن عبد البر : من حفظ عنه حجة على من سأله في حال نسيانه والله أعلم .

 

و – قال ابن حجر في الفتح , في “باب ما يقول بعد التكبير” :

(وَإِذَا اِنْتَهَى الْبَحْث إِلَى أَنَّ مُحَصَّل حَدِيث أَنَس نَفْيُ الْجَهْر بِالْبَسْمَلَةِ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ طَرِيقِ الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلَفِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ فَمَتَى وُجِدَتْ رِوَايَة فِيهَا إِثْبَات الْجَهْر قُدِّمَتْ عَلَى نَفْيِهِ ، لِمُجَرَّد تَقْدِيم رِوَايَة الْمُثْبِت عَلَى النَّافِي ؛ لِأَنَّ أَنَسًا يَبْعُدُ جِدًّا أَنْ يَصْحَبَ اَلنَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مُدَّةَ عَشْرِ سِنِينَ ثُمَّ يَصْحَبُ أَبَا بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ الْجَهْر بِهَا فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ ، بَلْ لِكَوْنِ أَنَسٍ اِعْتَرَفَ بِأَنَّهُ لَا يَحْفَظُ هَذَا الْحُكْمَ كَأَنَّهُ لِبُعْدِ عَهْدِهِ بِهِ ، ثُمَّ تَذَكَّرَ مِنْهُ الْجَزْم بِالِافْتِتَاحِ بِالْحَمْدُ جَهْرًا وَلَمْ يَسْتَحْضِرْ الْجَهْر بِالْبَسْمَلَةِ ، فَيَتَعَيَّنُ الْأَخْذ بِحَدِيث مَنْ أَثْبَتَ الْجَهْر) .

 

ح- قال السيوطي في تدريب الراوي 1/254 : (وتبين بما ذكرناه أن لحديث مسلم السابق تسع علل : المخالفة من الحفاظ والأكثرين ، والانقطاع ، وتدليس التسوية من الوليد ، والكتابة ، وجهالة الكاتب ، والاضطراب في لفظه ، والإدراج ، وثبوت ما يخالفه عن صحابيه ، ومخالفته لما رواه عدد التواتر) .

 

وقد أعل هذا الحديث كثير من الحفاظ  كالعراقي في ألفيته  والسخاوي في فتح المغيث

 

 

3- وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين رواه مسلم ،

 

وجوابه : أن المراد كانوا يفتتحون سورة الفاتحة لا بالسورة ، وهذا التأويل متعين للجمع بين الروايات ، لأن البسملة مروية عن عائشة رضي الله عنها فعلا ورواية عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأن مثل هذه العبارات وردت عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم . . وهما ممن صح عنه الجهر بالبسملة ، فدل على أن مراد جميعهم اسم السورة ، فهو كقوله بالفاتحة ، وقد ثبت أن أول الفاتحة البسملة فتعين الإبتداء بها.

 

 

4- وروي عن ابن عبد الله بن مغفل : سمعني أبي وأنا أقرأ { بسم الله الرحمن الرحيم } الفاتحة : 1 فقال : أي بني إياك والحدث فإني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع رجلا منهم يقوله فإذا قرأت فقل : الحمد لله رب العالمين رواه الترمذي والنسائي قال الترمذي : حديث حسن.

 

وجوابه :

أ- قال أصحابنا والحفاظ : هو حديث ضعيف لأن ابن عبد الله بن مغفل مجهول .

 

-قال ابن خزيمة : هذا الحديث غير صحيح من جهة النقل لأن ابن عبد الله مجهول .

 

– وقال ابن عبد البر : ابن عبد الله مجهول لا يقوم به حجة .

 

– وقال الخطيب أبو بكر وغيره : هذا الحديث ضعيف لأن ابن عبد الله مجهول .

 

– ولا يرد على هؤلاء الحفاظ قول الترمذي : حديث حسن لأن مداره على مجهول.

 

ب- قال أبو الفتح الرازي في كتابه في البسملة إن ذلك في صلاة سرية لا جهرية لأن بعض الناس قد يرفع قراءته بالبسملة وغيرها رفعا يسمعه من عنده فنهاه أبوه عن ذلك وقال : هذا محدث ، والقياس أن البسملة لها حكم غيرها من القرآن في الجهر والإسرار.

 

ج- قال أبو بكر الخطيب قال : ابن عبد الله مجهول ولو صح حديثه لم يؤثر في الحديث الصحيح عن أبي هريرة في الجهر ، لأن عبد الله بن مغفل من أحداث أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو هريرة من شيوخهم . وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لأصحابه ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ، ثم الذين يلونهم فكان أبو هريرة يقرب من النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن مغفل يبعد لحداثة سنة ، ومعلوم أن القارىء يرفع صوته ويجهر بقراءته في أثنائها أكثر من أولها فلم يحفظ عبد الله الجهر بالبسملة لأنه بعيد ، وهي أول القراءة ، وحفظها أبو هريرة لقربه وإصغائه وجودة حفظه وشدة اعتنائه .

 

5- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ما جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة مكتوبة ببسم الله الرحمن الرحيم ولا أبو بكر ولا عمر رضي الله عنهما .

 

وجوابه :

أ- أنه ضعيف لأنه من رواية محمد بن جابر اليمامي عن حماد عن إبراهيم عن ابن مسعود ، ومحمد بن جابر ضعيف باتفاق الحفاظ مضطرب الحديث لاسيما في روايته عن حماد بن أبي سليمان ، هذا وفيه ضعف آخر وهو أن إبراهيم النخعي لم يدرك ابن مسعود بالاتفاق فهو منقطع ضعيف وإذا ثبت ضعفه من هذين الوجهين لم يكن فيه حجة .

 

ب- الأحاديث الصحيحة السابقة المصرحة بالجهر مقدمة لصحتها وكثرتها ولأنها إثبات وهذا نفي ، والإثبات مقدم .

 

6- قالوا : ولأن الجهر بها منسوخ ، قال سعيد بن جبير : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم بمكة وكان أهل مكة يدعون مسيلمة الرحمن فقالوا إن محمدا يدعو إلى إله اليمامة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخفاها فما جهر بها حتى مات .

 

وجوابه :

لا حجة فيه وإن كان قد روى متصلا عنه عن ابن عباس.

وقال فانزل الله تعالى (ولا تجهر بصلاتك) فيسمع المشركون فيهزءون (ولا تخافت) عن اصحابك فلا تسمعهم (وابتغ بين ذلك سبيلا) وفى رواية ” فخفض النبي صلي الله عليه وسلم ببسم الله الرحمن الرحيم ” .

 

أ – قال البيهقى يعني – والله أعلم – فخفض بها دون الجهر الشديد الذى يبلغ إسماع المشركين وكان يجهر بها جهرا يسمع أصحابه.

 

ب – وقال أبو محمد وهذا هو الحق لان الله تعالي كما نهاه عن الجهر بها نهاه عن المخافتة فلم يبق إلا التوسط بينهما وليس هذا الحكم مختصا بالبسملة بل كان القراءة فيه سواء.

 

7- قالوا : وسئل الدارقطني بمصر حين صنف كتاب الجهر فقال : لم يصح في الجهر بها حديث .

 

وجوابه :

أ- ما حكوا عن الدارقطني فلا يصح عنه لأن الدارقطني صحح في سننه كثيرا من أحاديث الجهر كما سبق ، وكتاب السنن صنفه الدارقطني بعد كتاب الجهر بدليل أنه أحال في السنن عليه .

 

ب- فإن صحت تلك الحكاية حمل الأمر على أنه أطلع آخرا على ما لم يكن أطلع عليه أولا .

 

ج- ويجوز أن يكون أراد ليس في الصحيحين منها شيء وإن كان قد صحت في غيرها ، وهذا بعيد فقد سبق استنباط الجهر من الصحيحين من حديث أنس وأبي هريرة .

 

 

8- قالوا : وقال بعض التابعين : الجهر بها بدعة .

وجوابه :

لا حجة فيه لأنه يخبر عن اعتقاده ومذهبه كما قال أبو حنيفة العقيقة بدعة ، وصلاة الاستسقاء بدعة ، وهما سنة عند جماهير العلماء للأحاديث الصحيحة فيها ، ومذهب واحد من الناس لا يكون حجة على مجتهد آخر ، فكيف يكون حجة على الأكثرين مع مخالفته للأحاديث الصحيحة السابقة .

 

9- قالوا : وقياسا على التعوذ.

 

وجوابه :

أن البسملة من الفاتحة ومرسومة في المصحف بخلاف التعوذ.

 

10- قالوا : ولأنه لو كان الجهر ثابتا لنقل نقلا متواترا أو مستفيضا كوروده في سائر القراءة .

وجوابه :

ليس ذلك بلازم لأن التواتر ليس بشرط لكل حكم.

 

11- حديث قسمت الصلاة بيني وبين عبدي .

وجوابه :

قال الشيخ أبو محمد المقدسي بعدما ساق الأحاديث السابقة عن أبي هريرة : فلا عذر لمن يترك صريح هذه الأحاديث عن أبي هريرة ويعتمد رواية حديث قسمت الصلاة ويحمله على ترك التسمية مطلقا ، أو على الأسرار وليس في ذلك تصريح بشيء منهما والجميع رواية صحابي واحد ، فالتوفيق بين رواياته أولى من اعتقاد اختلافها مع أن هذا الحديث الذي رواه الدارقطني بإسناده حديث قسمت الصلاة بعينه فوجب حمل الحديثين على ما صرح به في أحدهما.

 

 

*** سادساً: وهذه بعض الأخبار الصحيحة عن ثلاثة من كبار علماء الصحابة في الجهر بالبسملة  التي ذكرها الخطيب البغدادي في كتابه الجهر بالبسملة، الذي اختصره الذهبي :

 

1- عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

روى الخطيب البغدادي في “الجهر بالبسملة” عن ابن عباس أنّه :

(كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم) .

 

* قال الذهبي في (مختصر الجهر بالبسملة) : “حسن” .

 

– وروى عبد الرزاق في مصنفه بإسناد صحيح عن ابن عباس وابن عمر :

( كانا يفتتحان ببسم الله الرحمن الرحيم) .

 

2- عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما-

روى الخطيب في “الجهر بالبسملة” أنّ عبد الله بن عمر :

(كان إذا قام في الصلاة فأراد أن يقرأ , قال : بسم الله الرحمن الرحيم ) .

 

* قال ابن عبد البر : “قد رفعه غيره أيضا عن ابن عمر ، ولا يثبت فيه إلا أنه موقوف على ابن عمر من فعله ، والله أعلم كذلك رواه سالم ونافع ويزيد الفقير عن ابن عمر” .

 

فهو يرى صحته موقوفًا على ابن عمر .

 

* وقد صححه الذهبي أيضًا موقوفًا على ابن عمر في (مختصر الجهر بالبسملة) , وقال عن حديث نافع عن ابن عمر : “هذا صحيح عن ابن عمر” .

 

 

3- عبد الله بن الزبير –رضي الله عنهما-

روى الخطيب البغدادي في “الجهر بالبسملة” عن بكر بن عبد الله قال :

(كان ابن الزبير يستفتح القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم , ويقول : ما يمنعهم منها إلا الكبر!)

 

* قال الذهبي في (مختصر الجهر بالبسملة) : “وهذا ثابت عن عبد الله بن الزبير” .

 

وقد سبق نقل قول ابن حجر في (تهذيب التهذيب) (٨ / ٣٥): (وكان عمرو أول من أسر البسملة في الصلاة مخالفة لابن الزبير لأنه كان يجهر بها. روى ذلك الشافعي وغيره بإسناد صحيح) .

 

وذكر الإمام الفخر الرازي في التفسير أن الصحابي الجليل الامام علي بن ابي طالب رضي الله عنه يجهر في البسملة .

 

وذكر الذهبي في السير أن التابعي الجليل فقيه المدينة سعيد بن المسيب كان يجهر في البسلمة

 

قال ابن عبد البر : (( ويجهر بها حيث يجهر بالفاتحة للاتباع رواه أحد وعشرون صحابيا بطرق ثابتة)).

 

إترك تعليق

البريد الالكتروني الخاص بك لن يتم نشرة . حقل مطلوب *

*