“مصادر التصوف الإسلامى”

“مصادر التصوف الإسلامى”

مصادر التصوف الإسلامى

 

من المعلوم أن التصوف الإسلامى هو التصوف النابع من القرآن  الكريم ومن سنة سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم –وهو التصوف الذى مارسه الصحابة والتابعون رضى الله عنهم عملا وتطبيقاًوسلوكاً.

وإذا كان الأمر كذلك فإن مصادرالتصوف الإسلامى وروافده تنحصر فيما يلى

1-القرآن الكريم .

2- حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم – قبل البعثة وبعدها.

3-حياة الصحابة رضوان الله عليهم .

أولاً:القرآن الكريم :-

يقول الأستاذ العقاد: (التصوف فى الحقيقة غير دخيل فى العقيدة الإسلامية لأنه مبثوث فى آيات القرآن الكريم ومستكن بأصوله  فى عقائده الصريحة ).

فالمسلم يقرأ فى كتاب الله القرآن الكريم قوله تعالى:{فَفِرُوا إِلَى اللهِ إِنِى لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }.(سورة الزاريات الأية 50)

يعلم منه المتصوفة  أن الفرار إلى الله هو باب النجاة  ومكمن السعادة الروحية .وقوله تعالى:{هُوَ الأَوْلُ وَالْأَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَئٍ عَلِيمٌ}.(سورة الحديد آية3)

يعلم منه المتصوفة أن الله أزلى أبدى قديم بغير زمان ولامكان ،عليم بالكليات والجزئيات.

وقوله تعالى:{ولِلهِ المَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُولُّوا فَثَمَّ وجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ}.(سورة البقرة الآية 115)

وقوله تعالى:{وَنَحُنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ}.(سورة ق آية 16)

ويستنبط المتصوفة أن الوجود الحقيقى هووجود الله وأنه أقرب إلى الإنسان من نفسه ،لأنه قائم فى كل مكان يصلى له كل كائن .

فالحق أن القرآن الكريم كان المصدر الأول والحقيقى لكل  ما تواضع عليه الزهاد والصوفية من رياضات ومجاهدات ومشاهدات.(الفلسفة القرآنية للأستاذ عباس محمود العقاد ص166 .مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1947م)

ولقد وردت فى القرآن الكريم آيات كثيرة تحث المسلمين على الزهد فى الدنيا والتخفف من الارتباط بها ،واعتبارها دار لهو ولعب ،ومن هنا ذهب المتصوفة إلى أن الدنيا عدوة لله تعالى ،بغرورها ضل من ضل ،وبمكرها ذل من ذل فحبها رأس الخطايا ،وبغضها أم الطاعات ورأس القربات .(احياء علوم الدين للإمام الغزالى 4/215)

وقوله تعالى:{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُالدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِوَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُمُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌمِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ }.(سورة الحديد آية 20 )

يقول الإمام الرازى : المقصود الأصلى من الآية تحقير حال الدنيا وتعظيم حال الآخرة .فوصف أحوال الدنيا بالعب والهو والتفاخر  والتكاثر فى الأموال والأولاد  فيجب أن يعدل عنهاإلى مايؤدى إلى عمارة الآخرة. (تفسيرالفخر الرازى30/234،233)

كمافى قوله تعالى:{  زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءوَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِوَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ }.(سورة آل عمران آية 14)

ويمدح القرآن حال العباد المقبلين على الله تعالى آيات كثيرة من القرآن الكريم منها قوله تعالى :{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَالرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِوَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ }(سورة التوبة آية 112)

فإذا كان التصوف هو تصفية النفس بهدف  معرفة الله وتوحيده وعبادته من خلال طريق محدود هو”التوبة والمراقبة والزهد  والذكر والشكر والصبر والتوكل والرضا مما يوصل إلى الولاية والكرامة والكشف  والإلهام“،فقد احتوى القرآن الكريم على شواهدواضحة تدعوإلى كل هذه الحقائق          وهى مايعبر عنها عند المتصوفة بالمقامات. (مشكلات التصوف المعاصر د/ سعد الدين السيد صالح ص 45)

أما عن الأحوال التى يتحدث عنها الصوفية فنجدها أيضاًفى القرآن الكريم من “الخوف والرجاء والحزن…..وغير ذلك من الأمور التى ترد على قلب السالك دون اجتهاد منه” .

فحال الخوف جاء ذكره فى القرآن العظيم فى مثل قوله تعالى :{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْقُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْيَتَوَكَّلُونَ }.(سورة الأنفال 2)

وقوله تعالى :{ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْيُنفِقُونَ }.(سورة السجدة الآية 16)

وكذا حال الرجاءمذكور فى قوله تعالى:{ مَن كَانَ يَرْجُولِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }(سورةالعنكبوت آية 5)

وحال الحزن مستمد من قوله تعالى :{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌشَكُورٌ}.(سورة فاطر آية 34)

إذن :فالبذور الأولى للتصوف الإسلامى من حيث هو علم للمقامات والأحوال أو علم للأخلاق الإنسانية والسلوك الإنسانى  موجودة فى القرآن الكريم

ومن هنا يكون التصوف  من حيث نشأته الأولى  مأخوذاً من القرآن الكريم

 

 

“ثانيا :حياة النبى – صلى الله عليه وسلم – قبل البعثة  وبعدها”  

 

  • حياته –صلى الله عليه وسلم- قبل -البعثة .

ب – حياته – صلى الله عليه وسلم –بعد العثة .

وفى كل فترة من هاتين الفترتين يجد الصوفية لأنفسهم مصدرا غنيا فيما استمدوه من أصناف العلم وضروب العمل ،لأن الرسول –صلى الله عليه وسلم –هو المثل الأعلى والقدوة الحسنة للأمة كلها .

  • حياة النبى – صلى الله عليه وسلم قبل البعثة :-

اذا تأملنا حياة النبى- صلى الله عليه وسلم-وفيما كان يركن إليه من العزلة من الناس والخلوة إلى نفسحه يتفقدها ،وإلى الكون يتأمله ،وإلى مبدع الكون يستطلعه ،ووازنا بين هذه الحال وأحوال الزهاد والعباد الذين ظهروا بعد ذلك وعرفوا بالصوفية ،ولتبين لنا  وجه الشبه بينحياة النبى صلى الله عليه وسلموحياة الصوفية

نردطريقة هؤلاء القوم بما تشتمل عليه من رياضات ومجاهدات وأزواق وواجيد وما تنتهى إليه من كشف للحقائق ومعرفة للدقائق

إلى مصدرها الأول فى الحياة الروحية الخاصة التى كان يحياها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .(مدخل إلى التصوف الاسلامى د/أبو الوفا التفتازانى ص 43)

فحياة الرسول  – صلى الله عليه وسلم – نبياً هى امتدادا لحياته عربياً متحنثاً ،وكافأ الله تحنثه بإشراقات نور الوحى والالهام الإلهى .

لذا كان من الضرورى تأسى الناس بالنبى والتخلق بإخلاقه،وتحقيق شعب الايمان السبعة والسبعين فى حياتهم ليرضى الله عنهم  حتى يصلوا إلى درجة “الإحسان”الذى عرفه الرسول الكريم  بقوله { أن تعبد الله كأنك تراه ،فإن لم تكن تراه فإنه يراك }.

إذن :كان من الضرورى معرفة عيوب النفس ،وأمراض القلوب ومجامع الهوى ،ومداخل الشيطان ،وكيف يمكنه علاجها ،والوقاية منها .

ولكن يكمن الخطر فى اهتمام الناس بأمراض الأبدان ،وغفلتهم عن أمراض القلوب،وإذا تنبهوا لها فأين يجدون الدواء.

ولاسبيل لخلاص  البشرية عامة والمسلمين خاصة ،إلا بالحياة الربانية .

فهم فى حاجة إلى حياة” ربانية نقية ” ترفعهم من حضيض عبادة الهوى والمال والشياطين وحب الدنيا إلى سعادة التحرر منها ،وعز طلب الآخرة  ، وتقوى الله والإحسان إلى خلقه وهذا هو مقصد علم التصوف وغايته ، والذين امتدحهم الله تعالى فى قوله  { إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُون}.( سورة النحل آية 128)

 

(ب)- حياته –صلى الله عليه وسلم – بعد البعثة :-

يرى الصوفية أن الحياة التى هدى الله نبيه محمد –صلى الله عليه وسلم –إليها هى طريق الكشف ، وطريق الالهام  ،وطريق البصيرة وطريق المشاهدة .

وهذه الحياة التى  علمناها عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – إجمالاً ،فصلها الصوفية أدق تفصيل يتدرج مع الانسان خطوة بخطوة ،وهذا الطريق سماه الصوفية :معارج القدس ،وسموه منازل السالكين ومنازل الأرواح ،وهو عبارة عن المقامات والأحوال التى يُسَلِمْ كل مقام منها إلى مابعده  ،وكل حال منها يوصل إلى الذى يليه ،حتى يصل الانسان إلى القرب والمشاهدة ،ويستغرق فى ملكوت  يسمو على الوصف .(قضية التصوف . المنقذ من الضلال  د/عبد الحليم محمود ص/194)

وبيان ذلك : إن الطريق الذى رسمه الصوفيه فى الوصول إلى الكشف والالهام من الله سبحانه وتعالى نجده مستمداًمن حياة سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم .

فالرسول – صلى الله عليه وسلم – قد حذر من الدنيا وعدم التكالب عليها وعدم الركون إلى ما فيها من متع وشهوات .

يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم – :{ ازهد فى الدنيا يحبك الله واذهد فيما عند الناس يحبك الناس }.

ويقول رسولنا الكريم :{ الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر}.

وعن ابن عباس رضى الله عنهما قــال :{ كان رسول الله يبيت الليالى المتتابعة طاوياً،وأهله لايجدون عشاءً ، وكان أكثر خبزهم الشعير }.( الحديث أخرجه الامام الترمزى فى السنة وقال حديث حسن صحيح رقم 2361)

وعن النعمان بن بشير رضى الله عنهما قال {لقد رأيت نبيكم –صلى الله عليه وسلم –ومايجد من الدقل مايملأبه بطنه }.

وعن عروة عن عائشة رضى الله عنها أنها كانت تقول :{ والله يا ابن أختى إن كنا لننظر إلى الهلال ،ثم الهلال ،ثم الهلال ،ثلاثة أهلة فى شهرين ،وما أوقد فى لى الله عليه وسلم نار،قلت يا خالة فما كان عيشكم ؟قالت : الأسودان : التمر والماء ،إلا أنه كانت لرسول الله جيران من الأنصار ،وكانت لهم منائح وكانوا يرسلون إلى رسول الله من ألبانها فيسقينا}.

ولقد عاش سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – المثل الأعلى فى السمو على متاع الحياة { فعندما سئلت السيدة عائشة ماكان فراش رسول الله فى بيتك ؟!!

قالت  – كما فى الترمذى – من أدم حشرة ليف …. }

وعن عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه قال : {نام رسول الله  -صلى الله عليه وسلم  -على حصيرة فقام ، وقد أثرى فى جنبه }.

قلنا :يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاءً ! فقال : { مالى وللدنيا ؟ماأنا فى الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها }.( أخرجه الامام الترمزى  فى السنن وقال حديث حسن صحيح )

وعن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه قال :{أخرجت لنا السيدة عائشة رضى الله عنها كساء وإزاراً غليظاً،قالت : قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم  فى هذين }.( أخرجه الامام البخارى فى صحيحه 10/235 والامام  مسلم رقم 2080)

 

 

إترك تعليق

البريد الالكتروني الخاص بك لن يتم نشرة . حقل مطلوب *

*