الشهادة لمن شهد له سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.

الشهادة لمن شهد له سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.

الشهادة لمن شهد له سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.

من عقائد أهل السنة والجماعة من السلف الصالح والسادة الأشاعرة والماتريدية, أنهم يشهدون لمن شهد له المصطفى صلى الله عليه وسلم بالجنة من الصحابة الكرام رضي الله عنهم فهناك أشخاص أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم من أهل الجنة، وهناك آخرون أخبر ببعض النعيم المعد لهم في الجنة، وكل ذلك شهادة منه صلى الله عليه وسلم لهم بالجنة، وسواء ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم الشخص من أهل الجنة أو أخبر أن له كذا أو مكانته في الجنة كذا أو أخبر أنه رآه في الجنة الكل يشهد له أهل السنة والجماعة بالجنة تصديقاً منهم لخبر الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم فممن أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة العشرة المبشرين, وهؤلاء العشرة رضي الله عنهم انتظم تبشيرهم بالجنة حديث واحد فقد روى الإمام الترمذي وغيره عن سعيد بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “عشرة في الجنة: أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعلي وعثمان والزبير وطلحة وعبد الرحمن وأبو عبيدة، وسعد بن أبي وقاص” قال: فعد هؤلاء التسعة، وسكت عن العاشر، فقال القوم ننشدك الله يا أبا الأعور من العاشر؟، قال: “نشدتموني بالله أبو الأعور في الجنة”1.

هؤلاء هم العشرة المبشرون بالجنة رضي الله عنهم وكلهم من المهاجرين وتبشير العشرة هؤلاء بالجنة لا ينافي تبشير غيرهم، فقد جاء تبشير غيرهم في غير ما خبر، ولأن العدد في الحديث لا ينفي الزائد وممن بشر بالجنة سوى هؤلاء العشرة كثير منهم :-
*** جماعة من أهل بيت النبوة الطيبين الطاهرين غير علي بن أبي طالب رضي الله عنه وردت نصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها دلالة واضحة في أنهم ممن يقطع لهم بدخول الجنة، منهم أم المؤمنين خديجة بنت خويلد بن أسد، فقد بشرها النبي صلى الله عليه وسلم ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب2، وابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها أخبر بأنها سيدة نساء أهل الجنة3 وولداها سيدنا الحسن وسيدنا الحسين رضي الله عنهما, فقد بين عليه الصلاة والسلام بأنهما سيدا شباب أهل الجنة4، وحمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما، فقد أخبر عليه الصلاة والسلام أنه دخل الجنة فنظر فيها فإذا جعفر يطير مع الملائكة وإذا حمزة متكيء على سرير5.

__________
1ـ سنن الترمذي 3/311-312، وسنن أبي داود 2/515-516، وابن ماجه 1/48.
2ـ صحيح البخاري 2/315-316، صحيح مسلم 4/1887.
3ـ انظر صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 6/627-628، المستدرك 3/151.
4ـ انظر المسند 3/3، سنن الترمذي 5/321، سنن ابن ماجه 1/44، وأورده السيوطي في الجامع الصغير ورمز له بالصحة. انظر فيض القدير للمناوي 3/415.
5ـ انظر المستدرك 3/209، الجامع الصغير للسيوطي. انظر فيض القدير للمناوي 3/521.
___________________________________________________________

** ومن المبشرين بالجنة ” بلال بن رباح” – رضي الله عنه-:

بلال بن رباح الحبشي المؤذن واسم أمه حمامة اشتراه أبو بكر الصديق من المشركين لما كانوا يعذبونه على التوحيد، فأعتقه، فلزم النبي صلى الله عليه وسلم، وأذن له، شهد بدراً وأحداً وسائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآخى بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح، خرج رضي الله عنه مجاهداً بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن مات بالشام زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه1.
وقد بشر رضي الله عنه بالجنة في غير ما حديث، فقد روى البخاري رحمه الله من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء 2 امرأة أبي طلحة وسمعت خشفة
فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال” 3.
وعند مسلم بلفظ: “..ثم سمعت خشخشة أمامي فإذا بلال” 4.
وروى الإمام مسلم بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال عند صلاة الغداة: “يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته عندك في الإسلام منفعة، فإني سمعت الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة”، قال بلال: ما عملت عملاً في الإسلام أرجى عندي منفعة من أني لا أتطهر طهوراً تاماً في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي 5.
** ومن المبشرين بالجنة ” زيد بن حارثة ” – رضي الله عنه-:
هو زيد بن حارثة بن شراحبيل الكلبي بن عبد العزى بن زيد بن امريء القيس وزيد هذا هو ولد أسامة بن زيد الحب ابن الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يدعى زيد بن محمد حتى نزلت: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} 6، استشهد في مؤتة من أرض الشام سنة ثمان من الهجرة رضي الله عنه7.
ومما جاء في بشارته بالجنة ما أخرجه ابن عساكر عن زيد بن الحباب: حدثني حسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعاً، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “دخلت الجنة فاستقبلتني جارية شابة، فقلت: لمن أنت؟ قالت: أنا لزيد بن حارثة” 8.
فهذا الحديث اشتمل على منقبة ظاهرة لزيد بن حارثة حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه أحد الذين رأى لهم بعض النعيم المعد لهم في الجنة.
__________
1ـ انظر ترجمته في الطبقات الكبرى لابن سعد 3/232-239، الاستيعاب على حاشية الإصابة 1/145-150، أسد الغابة 1/206-209، تهذيب الأسماء واللغات 1/136-137، سير أعلام النبلاء 1/347، الإصابة 1/169، تهذيب التهذيب 1/502.
2ـ جاء في النهاية: 2/263: “يقال غمصت العين ورمصت والرمص وهو البياض الذي تقطعه العين ويجتمع في زوايا الأجفان والرمص الرطب والغمص اليابس”.
3ـ صحيح البخاري 2/293.
4ـ صحيح مسلم 4/1908.
5ـ صحيح مسلم 4/1910.
6ـ من الآية رقم 5 من سورة الأحزاب.
7ـ انظر ترجمته في طبقات ابن سعد 3/40-47، الجرح والتعديل 3/559، الاستيعاب على حاشية الإصابة 1/525-530، أسد الغابة 2/224-227، تهذيب الأسماء واللغات 1/202-203، سير أعلام النبلاء 1/220-230، مجمع الزوائد 9/274-275، الإصابة 1/545-546.
8ـ أورده السيوطي في “الجامع الصغير” وعزاه للروياني والضياء في المختارة عن بريدة. انظر: فيض القدير للمناوي 3/521، ورواه ابن عساكر 6/399/2، من طريقين عن زيد بن الحباب …إلخ السند المذكور، وهذا سند صحيح على شرط مسلم.
___________________________________________________________
* ومن المبشرين بالجنة ” حاطب بن أبي بلتعة” – رضي الله عنه-:
هو حاطب بن أبي بلتعة اللخمي من ولد لخم بن عدي، يكنى أبا عبد الله، وقيل يكنى أبا محمد واسم أبي بلتعة عمرو بن راشد بن معاذ اللخمي، حليف قريش، ويقال: إنه من مذجح، وقيل: هو حليف للزبير بن العوام، وهو من أهل اليمن، والأكثر أنه حليف لبني أسد بن عبد العزى، شهد بدراً والحديبية، ومات سنة ثلاثين بالمدينة، وهو ابن خمس وستين سنة وصلى عليه ذو النورين عثمان1.
وقد جاء النص عليه في أنه من أصحاب الجنة، وممن يقطع له بدخولها فيما رواه مسلم بإسناده إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن عبداً لحاطب جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطباً، فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كذبت لا يدخلها، فإنه شهد بدراً والحديبية” 2.
فهذا الحديث تضمن فضيلة لأهل بدر والحديبية على وجه العموم ولحاطب
على وجه الخصوص، حيث نص عليه باسمه أنه من أهل الجنة وأن النار لا تمسه رضي الله عنه وأرضاه.
* ومن المبشرين بالجنة ” عكاشة بن محصن” – رضي الله عنه-:
هو عكاشة بن محصن بن حرثان بن مرة بن بكير بن غنم بن دودان بن أسيد بن خزيمة الأسدي حليف بني عبد شمس من السابقين الأولين البدريين أهل الجنة، قتل شهيداً في قتال أهل الردة زمن أبي بكر الصديق قتله طليحة بن خويلد الأسدي الذي ادعى النبوة وقد هداه الله ـ عز وجل ـ فرجع إلى الإسلام3.
شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة.
فقد روى البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: “عرضت علي الأمم فجعل يمر النبي معه الرجل والنبي معه الرجلان والنبي معه الرهط، والنبي ليس معه أحد ورأيت سواداً كثيراً سد الأفق، فرجوت أن تكون أمتي، فقيل: هذا موسى وقومه، ثم قيل لي: انظر فرأيت سواداً كثيراً سد الأفق، فقيل لي: انظر هكذا وهكذا، فرأيت سواداً كثيراً سد الأفق فقيل: هؤلاء أمتك، ومع هؤلاء سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب” فتفرق الناس، ولم يبين لهم فتذاكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أما نحن فولدنا في الشرك، ولكنا آمنا بالله ورسوله، ولكن هؤلاء هم أبناؤنا، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “هم الذين لا يتطيرون ولا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون” فقام عكاشة بن محصن، فقال: أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال: “نعم” فقام آخر،فقال: أمنهم أنا؟ فقال: “سبقك بها عكاشة” 4.
وعند الإمام مسلم من حديث عمران بن حصين، قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: “يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب” قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: “هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون” فقام عكاشة بن محصن، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: “أنت منهم” 5.
فهذان الحديثان فيهما منقبة لعكاشة بن محصن رضي الله عنه وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه من المقطوع لهم بدخول الجنة.
__________
1ـ انظر ترجمته في الطبقات الكبرى لابن سعد 3/114-115، الاستيعاب على حاشية الإصابة 1/347-350، سير أعلام النبلاء 2/43-45، البداية والنهاية 7/171، الإصابة 1/299-300.
2ـ صحيح مسلم 4/1942.
3ـ انظر ترجمته في الطبقات الكبرى لابن سعد 3/92-93، الجرح والتعديل 7/39، حلية الأولياء 2/12-13، الاستيعاب على حاشية الإصابة 3/155-157، تهذيب الأسماء واللغات 1/338، الإصابة 2/487-489.
4ـ صحيح البخاري 4/18-19، وانظر صحيح مسلم 1/199.
5ـ صحيح مسلم 1/198.
** ومن المبشرين بالجنة ” سعد بن معاذ ” – رضي الله عنه-:
هو أبو عمرو سعد بن معاذ بن النعمان بن امريء القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن النبيت بن مالك بن الأوس الأنصاري الأشهلي سيد الأوس، وأمه كبشة بنت رافع، لها صحبة، أسلم رضي الله عنه بالمدينة بين العقبة الأولى والثانية علي يدي مصعب بن عمير، ثم كان سبباً في إسلام قومه كلهم، شهد بدراً، وأحداً، والخندق، ورمي يوم الخندق بسهم فعاش بعد ذلك شهراً حتى حكم في بني قريظة حكمه المشهور1 الذي وافق حكم الله من فوق سبع سموات، وبعد ذلك مات بسبب انتقاض جرحه وذلك سنة خمس2.
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم ببعض ما أعد الله له في الجنة من النعيم، فقد روى الشيخان
من حديث البراء رضي الله عنه قال: أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم حلة حرير، فجعل أصحابه يمسونها ويعجبون من لينها، فقال: “تعجبون من لين هذه؟ لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها وألين” 3.
ورويا أيضاً من حديث أنس رضي الله عنه قال: أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم جبة4 سندس وكان ينهى عن الحرير فعجب الناس منها فقال: “والذي نفس محمد بيده إن مناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا” 5.
ففي هذين الحديثين: إشارة إلى عظيم منزلة سعد في الجنة، وأن أدنى ثيابه فيها التي هي المناديل خير من تلك الجبة التي أثارت العجب في نفوس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن المناديل أدنى الثياب فغيره أفضل، وفيها إثبات الجنة لسعد بن معاذ رضي الله عنه6.
__________
1ـ وهو أن من أنبت منهم قتل ومن لم ينبت خلي سبيله، انظر حديث عطية القرظي في سنن أبي داود 2/453، سنن الترمذي 3/72، وقال: “هذا حديث حسن صحيح”.
2ـ انظر ترجمته في انظر ترجمته في الطبقات الكبرى لابن سعد 3/420-436، الجرح والتعديل 4/93، الاستيعاب على حاشية الإصابة 2/25-30، أسد الغابة 2/296-299، تهذيب الأسماء واللغات 1/214-215، سير أعلام النبلاء 1/279-297، البداية والنهاية 4/143-146، الإصابة 2/35.
3ـ صحيح البخاري 2/95، صحيح مسلم 4/1916، وانظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان 3/158.
4ـ الجبة: هي ما قطع من الثياب مشمراً. هدي الساري، ص/96، وانظر شرح النووي 16/23-24.
5ـ صحيح البخاري 2/95، صحيح مسلم 4/1916، وانظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان 3/158.
6ـ انظر شرح النووي على صحيح مسلم: 16/23.
___________________________________________________________
* ومن المبشرين بالجنة ” ثابت بن قيس ” – رضي الله عنه-:
وهو: ثابت بن قيس بن شماس بن مالك بن امريء القيس بن مالك بن الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخزرجي، وأمه امرأة من طيء، يكنى أبا محمد بابنه محمد، وقيل: أبا عبد الرحمن، كان رضي الله عنه خطيب الأنصار، ويقال له: خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد أحداً وما بعدها من المشاهد، وقتل يوم اليمامة شهيداً في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه1.
وقد وردت بشارته بالجنة فيما رواه البخاري بإسناده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه: “أن النبي صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس، فقال رجل: يا رسول الله أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده جالساً في بيته منكساً رأسه، فقال له: ما شأنك؟ فقال: شر. كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، فقد حبط عمله، وهو من أهل النار فأتى الرجل2 النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه قال كذا وكذا، فقال موسى3: فرجع إليه المرة الآخرة ببشارة عظيمة، فقال: “اذهب إليه، فقل له: إنك لست من أهل النار، ولكنك من أهل الجنة” 4.
وروى الإمام مسلم بإسناده إلى أنس بن مالك أنه قال: لما نزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} 5 إلى آخر الآية، جلس ثابت بن قيس في بيته، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ فقال: “يا أبا عمر، وما شأن ثابت؟ أشتكى6” ؟ قال سعد: إنه لجاري وما علمت له بشكو، قال: فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ثابت: أنزلت هذه الآية ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا من أهل النار، فذكر ذلك سعد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بل هو من أهل الجنة”.7
هذان الحاديثان تضمنتا منقبة عظيمة لثابت بن قيس رضي الله عنه وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه من أهل الجنة رضي الله عنه وأرضاه.
__________
1ـ انظر ترجمته في الاستيعاب على حاشية الإصابة 1/193-197، تهذيب الأسماء واللغات 1/139-140، سير أعلام النبلاء 1/308-314، تهذيب التهذيب: 2/12-13، الإصابة 1/197.
2ـ هذا الرجل هو سعد بن معاذ كما في رواية مسلم التي ستأتي بعد هذا الحديث.
3ـ هو ابن أنس راوي الحديث عن أنس. انظر: فتح الباري 8/592.
4ـ صحيح البخاري: 3/191.
5ـ سورة الحجرات آية/2.
6ـ أشتكى: الهمزة للاستفهام أي: أمرض، فالشكوى هنا المرض وهمزة الوصل ساقطة كما في قوله تعالى: {أصطفى البنات على البنين}.
7 ـ صحيح مسلم: 1/110-111.
___________________________________________________________
** ومن المبشرين بالجنة ” حارثة بن سراقة ” – رضي الله عنه-:
هو حارثة بن سراقة بن الحارث بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصاري، أمه الربيع بنت النضر عمة أنس بن مالك، شهد بدراً، وقتل يومئذ شهيداً، قتله حبان بن العرقة بسهم وهو يشرب من الحوض، وكان خرج نظاراً يوم بدر ورماه فأصاب حنجرته فقتله، وهو أول قتيل قتل ببدر من الأنصار1.
وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من أهل الجنة، فقد روى البخاري رحمه الله تعالى بإسناده إلى أنس رضي الله عنه قال: “أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام، فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى تر ما أصنع، فقال: “ويحك ـ أو هبلت ـ أو جنة واحدة هي؟ إنها جنات كثيرة، وإنه في جنة الفردوس” 2.
وروى أيضاً: بإسناده إلى أنس بن مالك أن أم حارثة بن سراقة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة ـ وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غرب ـ فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء، قال: “يا أم حارثة إنها جنان في الجنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى” 3.
في هذين الحديثين منقبة ظاهرة لحارثة بن سراقة وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أمه بأنه في الجنة وأنه أصاب من الجنان أعلاها، وهي الفردوس.
__________
1ـ انظر ترجمته في الطبقات الكبرى لابن سعد 3/510-511، الاستيعاب على حاشية الإصابة 1/284، الإصابة في تمييز الصحابة 1/297، فتح الباري 7/305، أسد الغابة 1/355-356.
2ـ صحيح البخاري 3/7.
3ـ صحيح البخاري 2/139.
___________________________________________________________
* ومن المبشرين بالجنة ” حارثة بن النعمان ” – رضي الله عنه-:
هو: حارثة بن النعمان بن نقع بن زيد بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري، يكنى أبا عبد الله، شهد بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من فضلاء الصحابة، توفي رضي الله عنه في خلافة معاوية بن أبي سفيان1.
وحارثة هذا وردت بشارته بالجنة فيما صح من الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى الإمام أحمد بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نمت فرأيتني في الجنة فسمعت صوت قاريء يقرأ فقلت: من هذا؟، قالوا: حارثة بن النعمان” فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كذاك البر كذاك البر” وكان أبر الناس بأمه”2.
ورواه أبو عبد الله الحاكم بلفظ: “دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة فقلت: من هذا؟ قالوا: حارثة بن النعمان” فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كذلكم البر كذلكم البر” 3.
قال الطيبي في قوله صلى الله عليه وسلم: “كذلكم البر كذلكم البر” المشار إليه ما سبق والمخاطبون الصحابة، فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم رأى هذه الرؤيا وقصها على أصحابه، فلما بلغ إلى قوله النعمان نبههم على سبب نيل تلك الدرجة بقوله “كذلكم البر”، أي: حارثة، نال تلك الدرجة بسبب البر وموقع هذه الجملة التذييل كقوله تعالى: {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} ، وفيه من المبالغة أنه جعل جزاء البر براً، وعرف الخبر بلام الجنس تنبيهاً على أن هذه الدرجة العليا لا تنال إلا ببر الوالدين والتكرار للاستيعاب.أ.هـ4.
__________
1ـ انظر ترجمته في الطبقات الكبرى لابن سعد 3/487-488، طبقات خليفة ص/90، المستدرك 3/208، الاستيعاب على حاشية الإصابة 1/282-284، أسد الغابة 1/358-359، سير أعلام النبلاء 2/378-380، الإصابة 1/298-299.
2ـ المسند 6/151-152، قال الحافظ: إسناده صحيح. الإصابة 1/298.
3ـ المستدرك 3/208، وقال عقبه: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي. وأورده السيوطي في الجامع الصغير ورمز له بالصحة. انظر فيض القدير للمناوي 3/519.
4ـ ذكره عنه المناوي في فيض القدير 3/519 والآية رقم 34 من سورة النمل.
___________________________________________________________
* ومن المبشرين بالجنة ” عبد الله بن سلام ” – رضي الله عنه-:
هو: عبد الله بن سلام بن الحارث أبو يوسف من ذرية يوسف بن يعقوب صلى الله عليه وسلم، كان حليفاً للأنصار، وهو أحد أحبار اليهود أسلم رضي الله عنه حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان اسمه في الجاهلية الحصين، فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، توفي بالمدينة في خلافة معاوية سنة ثلاث وأربعين1.
أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة.
روى البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث سعد بن أبي وقاص قال: ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض “إنه من أهل الجنة”، إلا لعبد الله بن سلام، قال: وفيه نزلت هذه الآية: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ} 2 الآية.
وفي سنن الترمذي من حديث طويل عن معاذ بن جبل، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ـ أي في ابن سلام ـ “إنه عاشر عشرة3 في الجنة”4.
هذه الأحاديث تضمنت الشهادة بالجنة لعبد الله بن سلام وأنه من المقطوع لهم بها.
قال ابن كثير في ترجمة عبد الله بن سلام: “وهو ممن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وهو ممن يقطع له بدخولها”5.
__________
1ـ انظر ترجمته في الاستيعاب في أسماء الأصحاب لابن عبد البر على حاشية الإصابة 2/374-376، أسد الغابة 3/176، البداية والنهاية 8/30، الإصابة 2/312-313.
2ـ صحيح البخاري 2/314، صحيح مسلم 4/1930، والآية رقم 10 من سورة الأحقاف.
3ـ جاء في تحفة الأحوذي: 10/307: “عاشر عشرة في الجنة” أي: مثل عاشر عشرة، أو المعنى يدخل بعد تسعة نفر من الصحابة في الجنة ذكره السيد جمال الدين. قال القاريء: وفيه أنه يلزم تقدمه على بعض العشرة، فلعله العاشر من الذين أسلموا من اليهود، أو مما عدا العشرة فيدخل الجنة بعد تسعة عشر من الصحابة. أهـ.
4ـ سنن الترمذي 5/336، وقال عقبه: وفي الباب عن سعد هذا حديث حسن غريب.
5ـ البداية والنهاية 8/30.
___________________________________________________________
** ومن المبشرين بالجنة ” أم سليم بنت ملحان ” – رضي الله عنها-:
هي: أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، اختلف في اسمها، فقيل: سهلة، وقيل: رميلة، وقيل: رميثة، وقيل: مليكة، ويقال: الغميصاء أو الرميصاء كانت تحت مالك بن النضر، أبي أنس بن مالك في الجاهلية، فولدت أنساً في الجاهلية، وأسلمت مع السابقين إلى الإسلام من الأنصار، فغضب مالك وخرج إلى الشام، فمات، فتزوجت بعده أبا طلحة الأنصاري1.
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رآها وسمع صوت حركة مشيها في الجنة.
فقد روى البخاري بإسناده إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء2 امرأة أبي طلحة” 3.
وعند مسلم بلفظ: “أريت الجنة، فرأيت امرأة أبي طلحة” 4.
وروى مسلم بإسناده إلى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: “دخلت الجنة فسمعت خشفة 5 فقلت: من هذا؟ قالوا: هذه الغميصاء بنت ملحان أم أنس بن مالك” 6.
فهذه الأحاديث تضمنت شهادة النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة لأم سليم رضي الله عنها.
__________
1ـ الطبقات الكبرى لابن سعد 8/424-434، الجرح والتعديل 9/464، الاستيعاب على حاشية الإصابة 4/437-438، سير أعلام النبلاء 2/304-311، الإصابة 4/441-442، تهذيب التهذيب 12/471.
2ـ الرمص: قذى يابس وغير يابس يكون في أطراف العينين. انظر شرح النووي: 16/11، النهاية في غريب الحديث 2/263.
3ـ صحيح البخاري 2/293.
4ـ صحيح مسلم 4/1908.
5ـ هي: حركة المشي وصوته. انظر: شرح النووي 16/11، النهاية في غريب الحديث 2/34.
6ـ صحيح مسلم 4/1908.
___________________________________________________________
** فكل من تقدم ذكره شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة على سبيل التنصيص عليه باسمه منفرداً، كما شهد صلى الله عليه وسلم بالجنة لخلق كثير من الصحابة على سبيل الجمع كأهل بدر وأهل بيعة الرضوان، فأهل بدر كان عددهم رضي الله عنهم بضعة1 عشر وثلاثمائة2، فهؤلاء أخبر عنهم صلى الله عليه وسلم أنهم من أهل الجنة فقد روى البخاري من حديث طويل عن علي رضي الله عنه، وفيه أنه قال: “لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة، أو فقد غفرت لكم” 3.
وأما أهل بيعة الرضوان فقد كان عددهم ألفاً وأربعمائة4 وكلهم شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة، وأنهم ممن يقطع لهم بدخولها، فقد قال صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر عند مسلم رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها” 5 .
فقد قال أهل العلم: “معناه لا يدخلها أحد منهم قطعاً … وإنما قال: إن شاء الله للتبرك لا للشك” 6.
فأهل السنة والجماعة يشهدون بالجنة لكل من قدمنا ذكره في هذا المبحث 7، بل يشهدون بالجنة لجميع الصحابة من مهاجرين وأنصار حيث إن الله تعالى وعدهم جميعاً بالحسنى كما قال: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} 8.
__________
1ـ البضع: في العدد بالكسر وقد يفتح ما بين الثلاث إلى التسع، وقيل ما بين الواحد إلى العشرة لأنه قطعة من العدد. النهاية في غريب الحديث 1/133.
2ـ صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 7/290-291.
3ـ صحيح البخاري 3/7.
4 ـ ذكر البخاري ثلاثة أقوال في عددهم وأرجحها ما أوردناه هنا. انظر صحيح البخاري 3/42-43، وشرحه فتح الباري 7/440.
5ـ صحيح مسلم 4/1942.
6ـ شرح النووي على صحيح مسلم 16/58.
7ـ انظر كتاب الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة لابن بطة ص/261-264، عقيدة السلف وأصحاب الحديث لأبي عثمان الصابوني ضمن مجموعة الرسائل المنيرية 1/128، لمعة الاعتقاد لابن قدامة ص/28.
8ـ سورة الحديد آية/10.

إترك تعليق

البريد الالكتروني الخاص بك لن يتم نشرة . حقل مطلوب *

*